التعريف بالشاعر:
هو عنترة بن شداد العبسي، أحد أشهر شعراء العرب في العصر الجاهلي، وله معلقته المشهورة التي يبدأ فيها قائلا [الكامل]:
هل غادر الشعراء من متردم * أم هل عرفت الدار بعد توهم
اشتهرت تلك القصيدة حتى صارت تعد من المعلقات السبعة.
وزن القصيدة:
بحر البسيط، وإذا كنت لا تعلم معنى وزن القصيدة فاقرأ مقال علم العروض.
وتفعيلة بحر البسيط هي: مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
مناسبة القصيدة:
لا يمكن تحديد مناسبة معينة تحديدا، ولكن عنترة قالها يفخر بقومه ويتوعد النعمان بن المنذر.
نص القصيدة:
لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ * ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ
ومن يكنْ عبد قومٍ لا يخالفهمْ * إذا جفوهُ ويسترضى إذا عتبوا
قدْ كُنْتُ فِيما مَضَى أَرْعَى جِمَالَهُمُ * واليَوْمَ أَحْمي حِمَاهُمْ كلَّما نُكِبُوا
لله دَرُّ بَني عَبْسٍ لَقَدْ نَسَلُوا * منَ الأكارمِ ما قد تنسلُ العربُ
لئنْ يعيبوا سوادي فهوَ لي نسبٌ * يَوْمَ النِّزَالِ إذا مَا فَاتَني النَسبُ
إِن كُنتَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَنَّ يَدي * قَصيرَةٌ عَنكَ فَالأَيّامُ تَنقَلِبُ
إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها * عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ
اليَومَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَيَّ فَتىً * يَلقى أَخاكَ الَّذي قَد غَرَّهُ العُصَبُ
فَتًى يَخُوضُ غِمَارَ الحرْبِ مُبْتَسِماً * وَيَنْثَنِي وَسِنَانُ الرُّمْحِ مُخْتَضِبُ
إنْ سلَّ صارمهُ سالتَ مضاربهُ * وأَشْرَقَ الجَوُّ وانْشَقَّتْ لَهُ الحُجُبُ
والخَيْلُ تَشْهَدُ لي أَنِّي أُكَفْكِفُهَا * والطّعن مثلُ شرارِ النَّار يلتهبُ
إذا التقيتُ الأعادي يومَ معركة ٍ * تَركْتُ جَمْعَهُمُ المَغْرُور يُنْتَهَبُ
لي النفوسُ وللطّيرِ اللحومُ وللـ * ـوحْشِ العِظَامُ وَلِلخَيَّالَة ِ السَّلَبُ
لا أبعدَ الله عن عيني غطارفة ً * إنْساً إذَا نَزَلُوا جِنَّا إذَا رَكِبُوا
أسودُ غابٍ ولكنْ لا نيوبَ لهم * إلاَّ الأَسِنَّة ُ والهِنْدِيَّة ُ القُضْبُ
تعدو بهمْ أعوجيِّاتٌ مضَّمرة ٌ * مِثْلُ السَّرَاحِينِ في أعناقها القَببُ
ما زلْتُ ألقى صُدُورَ الخَيْلِ منْدَفِقاً * بالطَّعن حتى يضجَّ السَّرجُ واللَّببُ
فالعميْ لو كانَ في أجفانهمْ نظروا * والخُرْسُ لوْ كَانَ في أَفْوَاهِهمْ خَطَبُوا
والنَّقْعُ يَوْمَ طِرَادِ الخَيْل يشْهَدُ لي * والضَّرْبُ والطَّعْنُ والأَقْلامُ والكُتُبُ
إذا لنشرح الأبيات بيتا بيتا.
1) لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ * ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ
2) ومن يكنْ عبد قومٍ لا يخالفُهُمْ * إذا جفوهُ ويسترضى إذا عتبوا
يبدأ عنترة قصيدته ببيتين من الحكمة، فيقول أن الحاقد لو أن منزلته رفيعة وتعلو به لما حمل هذا الحقد، وأن الذي طبعه الغضب يؤدي لنفور الناس منه فلا ينال المنزلة الرفيعة التي يريدها، وأن الشخص الذليل الذي يرضى أن يكون عبدا لقومه- دائما يتبعهم ولا يخالفهم أبدا، ويسترضيهم (يطلب رضاهم) دائما إذا عتبوه حتى لو كان محقا.
وربما تقول أن "يخالفهم" هي جواب شرط "إن" فكان يجب أن يكون مجزوما لا مرفوعا، و"يسترضي" فعل معطوف عليه وكان يجب كذلك أيضا، والحقيقة أن "يخالفهم" هي جواب شرط لـ"إذا"، و"إذا" أداة شرط غير جازمة، وتقدير الجملة "ومن يكن عبد قوم فإذا جفوه لا يخالفهم"، وكذلك الأمر بالنسبة لـ"يسترضي".
وما يفعله عنترة من الحكمة في القصيدة ليس بجديد على العرب، فالعرب دائما وأبدا كانوا يحبون أن يقولوا الحكمة في قصائدهم، ألم تر زهير بن أبي سلمى يقول في معلقته الشهيرة [بحر الطويل]:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله * ولكنني عن علم ما في غد عم
ومن يجعل المعروف من دون عرضه * يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه وإن يرق أسباب السماء بسلم
وغيرها من أبيات الحكمة الجميلة التي قالها زهير بن أبي سلمى في معلقته الرائعة.
3) قدْ كُنْتُ فِيما مَضَى أَرْعَى جِمَالَهُمُ * واليَوْمَ أَحْمي حِمَاهُمْ كلَّما نُكِبُواالحمى: هو الشيء المحمِيُّ أو الذي يجب أن يحمى، وهو الوطن الذي يحميه أهله.
والنكبة: هي المصيبة، ونَكَبَ ينكُب الدهر فلانا: أي أصابه بنكبة.
إضافة: نكب عن شيء نَكْبا: مال عنه واعتزله، ومنه قول الله تعالى [المؤمنون:74] "وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون".
فيفخر بنفسه قائلا أن حاله قد تغير من السابق، فقد كان في السابق مجرد عبد يرعى الجمال ويخدم أسياده، وأما بعد أن استرد حريته فهو لم يعد كذلك وصار أحد أفراد قبيلة عبس، وهو يحمي أرضهم ووطنهم كلما تعرضوا لمصيبة أو غارة أو هجوم.
4) لله دَرُّ بَني عَبْسٍ لَقَدْ نَسَلُوا * منَ الأكارمِ ما قد تنسلُ العربُكلمة "دَرُّ" هي اسم، يفضل أن يشرح الفعل أولا قبل فهم الاسم. يقال درَّت الدنيا على أهلها: أي كثر عطاؤها وخيرها، ودر اللبن أي كثر، ودرت السماء بالمطر: أي صبته كثيرا، فالفعل در يأتي بمعنى الخير والكثرة.
والدَرُّ هو العمل والعطاء، والدر هو اللبن والكثير، ولذا يقال لمن يمدح "لله دَرُّك" أي لله خيرك وفعالك، ويقال للذم "لا دَرَّ دَرُّك" أي لا كثر عملك ولا زكا.
ونسل الولَدَ نسولًا ونسل به: أي وَلَدَه أو أنجبه.
والأكارم: جمع أكرم، والكرم ضد اللؤم، فاللؤم هو دناءة الآباء، والكرم شرف النسب، فهو يقول أن بني عبس قد نسلوا أكرم ما قد تنسل العرب.
فهو يفتخر بقومه ويمدحهم ويقول أن لله خيرهم وفعالهم وعطاؤهم، ويقول أنهم أنجبوا أكرم من أنجب العرب في النسب.
5) لئنْ يعيبوا سوادي فهوَ لي نسبٌ * يَوْمَ النِّزَالِ إذا مَا فَاتَني النَسبُلئن: "إن" أداة شرط جازمة لفعلين، اللام موطئة لقسم محذوف والتقدير "ولله لئن..."، فاستخدام "لئن" يفيد توكيد الشرط.
فهو يقول: "إذا كانوا يعيبون سوادي الذي يدل على دناءة نسبي، فإني أعد سوادي نسبا لي أفتخر به يوم النزال لأني قد فاتني النسب الكريم فلم أحصل عليه.
وسواد عنترة شيء كان يذكره بكثرة في شعره لأن العرب كانت تعيره بذلك، فنجده يقول مثلا [بحر الطويل]:
يعيبون لوني بالسواد جهالة * ولولا سواد الليل ما طلع الفجر
وإن كان لوني أسودا فخصائلي * بياض ومن كفيَّ يستنزل القطر
6) إِن كُنتَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَنَّ يَدي * قَصيرَةٌ عَنكَ فَالأَيّامُ تَنقَلِبُ
يقال انقلبت الأيام أي تغيرت واختلفت الأحوال.
فهو يتوعد النعمان بن المنذر بالبطش ويقول له: إذا كنت تظن أني يدي قصيرة عنك وأني لن أصل إليك فاعلم أن الأيام تنقلب وأن الأحوال تتغير دائما وأبدا.
7) إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها * عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُالفعل "عَطَبَ" بفتح الطاء أي لان، و"عَطِبَ" بكسر الطاء أي هلك، لكن الكلمة المذكورة هي المصدر من الفعل "عطِب" بكسر الطاء، فهو عطِب يعطِب عَطَبَا أي هلك، لذا فإن معنى العَطَب في البيت هو الهلاك.
وهذا بيت حكمة آخر يبهرنا به عنترة كالعادة، فهو يقول أن الأفاعي في أنيابها الموت والهلاك عند حدوث التقلب والتغير، وإن كان جلدها وملمسها ناعم جميل يعجب المرء ويغره.
8) اليَومَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَيَّ فَتىً * يَلقى أَخاكَ الَّذي قَد غَرَّهُ العُصَبُفتى: قد تأتي بمعنى الشاب بين المراهقة والرجولة، لكن معناها هنا الرجل ذو المروءة والشجاعة، وجمعها فتيان وفتية وفُتُوٌّ وفُتِيٌّ، ومؤنثها فتاة والجمع فتيات.
العُصَب: جمع عُصْبَة، والعصبة من الرجال: ما بين العشرة والأربعين، وعصبة الرجل: أهله وقومه الذين يتعصبون لنصرته.
(شرح "غر" من القصيدة الأولى)
فهو يخاطب النعمان قائلا: "ستعلم قدري وبأسي وشدتي عندما ألقى أخاك الذي قد أعجبه قومه وعصبته فظن أنه أكثر مني بأسا."
9) فَتًى يَخُوضُ غِمَارَ الحرْبِ مُبْتَسِماً * وَيَنْثَنِي وَسِنَانُ الرُّمْحِ مُخْتَضِبُفتى كما قلنا في البيت السابق تعني الرجل ذا الشجاعة والمروءة.
وخاض يخوض خوضًا: نقول خاض الفتى الحرب أي اقتحمها.
والغمار جمع غمرة وهي الشدة، والغمرة أيضا تعني الزحمة.
وخاض غمار الحرب: أي اقتحمها محاربا.
وانثنى في مشيه: تمايل وتبختر.
واختضب أي تلون بالخضاب، وهو الصبغ بالحناء ونحوه، واختضبت المرأة كفها: أي صبغته بالحِنّاء، والخناء نبات يتخذ منه الخضاب الأحمر. فإذا نظرنا إلى البيت وجدنا عنترة يقصد أن سنان الرمح مصبوغة بالدماء إلى الحمرة مثلما تلون المرأة يدها بالأحمر.
فعنترة يقول: "فأنا الرجل الذي يقتحم زحمة الحرب مبتسما فرحا غير خائف من بأس الحرب، وعندما تصبغ سنان الرماح بالأحمر بسبب خوضها في الدماء فإني أنثني وأتبختر غير آبه ولا هائب."
شرح باقي الأبيات في الجزء الثاني>>
قصيدة جميلة وبها تأثر المتنبي في قوله:
ردحذفالخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
أهلا وسهلا، شكرا على مرورك الطيب.
حذفلم أكن أعلم هذه المعلومة، شكرا.
لا أجمل من معلقات الشعر الجاهلي رائعة وأكثر من رائعة
ردحذفجزاك الله خيرا، ولكني لا أظن أن هذه القصيدة من المعلقات.
حذفشكرا جزيلا على كل هذه المعلومات
ردحذفأهلا وسهلا ومرحبا
حذفرائع
ردحذفبوركت
حذفكيف
حذفشكرا لحضرتك
ردحذفسلمت
حذفالقصيدة تحمل الكثير من المعاني الفيدة
ردحذفحلوه
ردحذفشكرًا جزيلًا لكم على هذا العمل الرائع
ردحذفعلى الرحب والسعة، وجزاك الله خيرا على كلامك الطيب.
حذفكنت اريد اسئلة عليها❤
ردحذفأريد أسئله عليها ارجو الرد
ردحذفأهلا وسهلا عزيزي الزائر، أعتذر لك فأنا حاليا مشغول في امتحانات ولست متفرغا للمدونة، كما أن هذه المدونة هي للمطلعين والقراء وليست لحفاظ منهج دراسي فلا أظن الأسئلة والتدريبات مناسبة لهذه المدونة، وعلى كل حال جزيت خيرا على هذه الفكرة وسأنظر فيها جديا.
حذفاشكرك على جهودك
ردحذفأهلا وسهلا، وأسعدتني زيارتك.
حذفقصيده جميله
ردحذفWOW كتير استفدت منه كتير مشكور.
ردحذفوحتى عرفت طلابي عليه ♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
ردحذفجزاك الله خير
ردحذفجهودكم مشكورة
ردحذفاكثر من رائع
ردحذف