علم العروض.. علم النغمة الساحرة وسر الشعراء.
--------------------------------------
اقرأ الأبيات التالية بالتشكيل الصحيح، ورجاء حرك شفتيك ولسانك أثناء القراءة حتى تشعر بالنغمة. أولا اقرأ هذا
ثم هذا:
في أيهما تشعرون بموسيقى ونغمة بسبب السكون والحركة المنظمين؟ بمعنى آخر، أي الأبيات تفضل؟ هل فضلت أول بيتين؟ أليست القافية لا زالت سليمة؟!
أعد الكرة مع البيتين التاليين:
هل فضلت الأول أيضا؟
يبدو أن ثم سرا يخفيه الشعراء عنكم في أبياتهم يجعلكم تشعرون بالموسيقى في شعرهم دون باقي الكلام، وهذا السر يسمى علم العروض.
إذا ماذا يفعل الشاعر يا ترى؟ إنه يختار تفعيلة معينة، فلنقل كما في الصورة أنه اختار "فاعلاتنْ متفْعلنْ فاعلاتنْ"، سيستعمل هذه التفعيلة قالبا لأبيته، فيبدِّل كل (حرف ساكن) في التفعيلة حرفا ساكنا في البيت، ويبدل كل (حرف متحرك) في التفعيلة حرفا متحركا في البيت.
فإذا نظرت إلى الصورة تجد الشاعر قد بدَّل كل حرف ساكن في التفعيلة "فاعلاتن" حرفا ساكنا في بيته، نطقا وليس كتابة لأن الشعر يتأثر بالنغمة المنطوقة فقط.
لنطبق هذا مثلا على التفعيلة الأولى "فاعلاتن".
الشاعر كتب "كن جميلًا".
نطقا نقولها "كُنْ جَمِيْلَنْ".
فهي حرف متحرك (الكاف) ثم ساكن (النون) فمتحرك فمتحرك فساكن فمتحرك فساكن.
نكتبها رمزيا (/*//*/*) بحيث يرمز "/" لحرف متحرك و"*" لحرف ساكن.
وهو نفس ترتيب الحروف الساكنة والمتحركة في القالب أو التفعيلة "فَاْعِلَاْتُنْ"، فالترتيب هو (/*//*/*).
عند دراستنا لهذا التقطيع العروضي فإنا نكتب الكلام المنطوق. في الصورة السابقة مثلا ستجد الكاتب فك التشديد في كلمة "لعلِّي"، أو أضاف الواو بعد كلمة "جناحه" لأنها تنطق، أو حذف الألف من كلمة "القطا" لأنها لا تنطق، وذلك كي يتماثل كلا المنطوق والمكتوب، ثم نضع علامة (/) مكان كل حرف متحرك، ونضع علامة (*) مكان كل حرف ساكن، حتى نتحقق من تطابقها مع التفعيلة وأنها بنفس ترتيب الحروف المتحركة والساكنة في التفعيلة.
ولكن كيف يستطيع الشاعر أن يضبط ترتيب الحروف الساكنة والمتحركة بهذه الدقة؟!
فتعلم قواعد النحو كلها لن يجعلك متحدثا فصيحا، بل تحتاج إلى الاستماع والتدريب حتى يكون كلامك صحيحا نحويا.
كذلك يكتب الشاعر الشعر تلقائيا وبسرعة ودون تفكير لكثرة ما سمع من الشعر المضبوط وزنا وقافية، ويكتب على حسب ما سمع من إيقاع، فهو لا يحسب ولا يرتب.وكذلك تعلم علم العروض لن يجعل المتعلم شاعرا، بل إنه يحتاج إلى الاستماع والتدريب، مثل النحو كما قلنا في السابق.
ماذا عن الشعر الحر؟ يقوم الشاعر أيضا بوزن حروفه على الوزن، لكن هذه المرة يختار هو عدد مرات تكرار التفعيلات، فمثلاربما يجعل شعره على الوزن الآتي على (بَحْرِ المُتَقَارِبِ):
فعولن فعولن فعولن فعولن
مع أن الوزن الطبيعي لبحر المتقارب هو:
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن فعولن
ولكل بحر تغييراته المسموحة، تمثل نوعا من التحرر قليلا من الوزن، بحيث لا ينقص هذا التحرر موسيقى البيت، فمثلا يمكن للتفعيلة "فاعلن" (\*\\*) أن نجعلها فعلن (\\\*) أو فعلن (\*\*)، بحيث يشير (\) للحرف المتحرك ويشير (*) للحرف الساكن، وهذا التغيير قد يصنعه الشاعر في بيت ولا يصنعه في بيت آخر، أي أنه تغيير اختياري، ويسمى هذا النوع من التغيير زحافا أو علة.
ومن أمثلة الشعر الحر:
"إن سمعت الر..."
إِنْ سَمِعْتِرْ
/* //*/*
فَاْ عِلَاْتُنْ
/* //*/*
إذا هو نفس الترتيب، والمقطع موزون.
والسر وراء تلك الموسيقى هو أن الحرف الساكن هو الحرف الوحيد الذي يمكن أن نقف ونسكت عنده، فنشعر بالموسيقى لأننها نسكت ونتحرك بنفس الترتيب! لذا فلا شعر بدون وزن، ولا شعر يخرج عن قواعد علم العروض، فإذا اختفى الوزن تحول الشعر لنثر مسجوع.
---------------------------------------
شاهد هذا الفيديو الجميل (مدته ثلاث دقائق!) والذي يوضح الوزن على بحر الوافر (ومنه البيت الذي ذكرته في البداية) على طريقة التلحين، وطريقة التلحين من أسهل طرق تأليف الشعر.
--------------------------------------
اقرأ الأبيات التالية بالتشكيل الصحيح، ورجاء حرك شفتيك ولسانك أثناء القراءة حتى تشعر بالنغمة. أولا اقرأ هذا
أَبَا هِنْـدٍ فَلاَ تَعْجَـلْ عَلَيْنَـا * وَأَنْظِـرْنَا نُخَبِّـرْكَ اليَقِيْنَــا
بِأَنَّا نُـوْرِدُ الـرَّايَاتِ بِيْضـاً * وَنُصْـدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَـا
ثم هذا:
تناوب في القراءة بين الأبيات، مرة واثنتين وثلاثة.
لا تتعجل علينا يا أبا هند * وانتظرنا حتى نقول لك اليقينا
فنحن نأتي بالرايات بيضاوات * ثم نعود بهن حمراوات قد روينا
في أيهما تشعرون بموسيقى ونغمة بسبب السكون والحركة المنظمين؟ بمعنى آخر، أي الأبيات تفضل؟ هل فضلت أول بيتين؟ أليست القافية لا زالت سليمة؟!
أعد الكرة مع البيتين التاليين:
أليس الشعر ألحانا * وأنغاما من الشادي
ألم يكن الشعر كالألحان * والأنغام من الشاديتناوب في القراءة بين البيتين مرة واثنتين وثلاثة وحدد أيهما تفضل.
هل فضلت الأول أيضا؟
يبدو أن ثم سرا يخفيه الشعراء عنكم في أبياتهم يجعلكم تشعرون بالموسيقى في شعرهم دون باقي الكلام، وهذا السر يسمى علم العروض.
إذا ماذا يفعل الشاعر يا ترى؟ إنه يختار تفعيلة معينة، فلنقل كما في الصورة أنه اختار "فاعلاتنْ متفْعلنْ فاعلاتنْ"، سيستعمل هذه التفعيلة قالبا لأبيته، فيبدِّل كل (حرف ساكن) في التفعيلة حرفا ساكنا في البيت، ويبدل كل (حرف متحرك) في التفعيلة حرفا متحركا في البيت.
يشير "\" للحرف المتحرك، ويشير "*" للحرف الساكن |
لنطبق هذا مثلا على التفعيلة الأولى "فاعلاتن".
الشاعر كتب "كن جميلًا".
نطقا نقولها "كُنْ جَمِيْلَنْ".
فهي حرف متحرك (الكاف) ثم ساكن (النون) فمتحرك فمتحرك فساكن فمتحرك فساكن.
نكتبها رمزيا (/*//*/*) بحيث يرمز "/" لحرف متحرك و"*" لحرف ساكن.
وهو نفس ترتيب الحروف الساكنة والمتحركة في القالب أو التفعيلة "فَاْعِلَاْتُنْ"، فالترتيب هو (/*//*/*).
ثم عند تكرار نفس ترتيب وعدد الحروف الساكنة والمتحركة تنشأ موسيقى الكلام، وينشأ الشعر!
صورة أخرى توضح التقسيم العروضي |
ولكن كيف يستطيع الشاعر أن يضبط ترتيب الحروف الساكنة والمتحركة بهذه الدقة؟!
بالطبع إن الشاعر عند تأليفه للشعر لا يقوم بكل هذه الخطوات، بل في الغالب يعتمد على أذن موسيقية تستطيع التفرقة بين صالح الوزن وفاسده.
مثلما تستطيع أنت أن تتكلم بالفصحى فترفع المرفوع وتنصب المنصوب ...إلخ لحظيا دون أن تعرب أي كلمة، كأن تقول "ذهب الولدُ إلى المدرسةِ" دون أن تعرب "الولد" فاعلا ولا "المدرسة" اسما مجرورا، ولكن الجملة نحويا صحيحة (رفع الفاعل بالضمة وجر الاسم بالكسرة لحظيا)، فكيف فعلتها؟ ذلك لأنك سمعت الكثير من الكلام المضبوط نحويا، من قرآن أو نثر أو شعر أو حتى كارتون أثناء الطفولة، فصار الأمر فطريا تفعله دون تفكير.فتعلم قواعد النحو كلها لن يجعلك متحدثا فصيحا، بل تحتاج إلى الاستماع والتدريب حتى يكون كلامك صحيحا نحويا.
كذلك يكتب الشاعر الشعر تلقائيا وبسرعة ودون تفكير لكثرة ما سمع من الشعر المضبوط وزنا وقافية، ويكتب على حسب ما سمع من إيقاع، فهو لا يحسب ولا يرتب.وكذلك تعلم علم العروض لن يجعل المتعلم شاعرا، بل إنه يحتاج إلى الاستماع والتدريب، مثل النحو كما قلنا في السابق.
ماذا عن الشعر الحر؟ يقوم الشاعر أيضا بوزن حروفه على الوزن، لكن هذه المرة يختار هو عدد مرات تكرار التفعيلات، فمثلاربما يجعل شعره على الوزن الآتي على (بَحْرِ المُتَقَارِبِ):
فعولن فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن فعولن * فعولن فعولن فعولن فعولن
أو ربما يكتب على بَحْرِ الوَافِرِ فيكون وزنه مثلا:
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن فعولن
مفاعلتن فعولن
مفاعلتن مفاعلتن فعولن
فتجده يستخدم التفعيلة "مفاعلتن" عدد ما يريد، ثم يختم البيت بالتفعيلة "فعولن".
مع أن الوزن الطبيعي لبحر الوافر هو:مفاعلتن مفاعلتن فعولن * مفاعلتن مفاعلتن فعولن
ولكل بحر تغييراته المسموحة، تمثل نوعا من التحرر قليلا من الوزن، بحيث لا ينقص هذا التحرر موسيقى البيت، فمثلا يمكن للتفعيلة "فاعلن" (\*\\*) أن نجعلها فعلن (\\\*) أو فعلن (\*\*)، بحيث يشير (\) للحرف المتحرك ويشير (*) للحرف الساكن، وهذا التغيير قد يصنعه الشاعر في بيت ولا يصنعه في بيت آخر، أي أنه تغيير اختياري، ويسمى هذا النوع من التغيير زحافا أو علة.
ومن أمثلة الشعر الحر:
إن سمعت الرعد يدوي بين طيات الغمام...فهو على وزن:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
لنتحقق من أول تفعيلة مثالا:"إن سمعت الر..."
إِنْ سَمِعْتِرْ
/* //*/*
فَاْ عِلَاْتُنْ
/* //*/*
إذا هو نفس الترتيب، والمقطع موزون.
والسر وراء تلك الموسيقى هو أن الحرف الساكن هو الحرف الوحيد الذي يمكن أن نقف ونسكت عنده، فنشعر بالموسيقى لأننها نسكت ونتحرك بنفس الترتيب! لذا فلا شعر بدون وزن، ولا شعر يخرج عن قواعد علم العروض، فإذا اختفى الوزن تحول الشعر لنثر مسجوع.
---------------------------------------
شاهد هذا الفيديو الجميل (مدته ثلاث دقائق!) والذي يوضح الوزن على بحر الوافر (ومنه البيت الذي ذكرته في البداية) على طريقة التلحين، وطريقة التلحين من أسهل طرق تأليف الشعر.
جيد
ردحذفتسلم
حذفسلمت
ردحذفسلما
ردحذف