إن الأفاعي وإن لانت ملامسها... شرح الجزء الثاني من قصيدة عنترة

13

في هذا الجزء الثاني سيشرح باقي الأبيات من 10 إلى 19. الأبيات من 1 إلى 9 شرحت في الجزء الأول.
نص الأبيات:

إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها * عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ

 اليَومَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَيَّ فَتىً * يَلقى أَخاكَ الَّذي قَد غَرَّهُ العُصَبُ

فَتًى يَخُوضُ غِمَارَ الحرْبِ مُبْتَسِماً * وَيَنْثَنِي وَسِنَانُ الرُّمْحِ مُخْتَضِبُ

إنْ سلَّ صارمهُ سالتَ مضاربهُ * وأَشْرَقَ الجَوُّ وانْشَقَّتْ لَهُ الحُجُبُ
والخَيْلُ تَشْهَدُ لي أَنِّي أُكَفْكِفُهَا * والطّعن مثلُ شرارِ النَّار يلتهبُ
إذا التقيتُ الأعادي يومَ معركة ٍ * تَركْتُ جَمْعَهُمُ المَغْرُور يُنْتَهَبُ
لي النفوسُ وللطّيرِ اللحومُ وللـ * ـوحْشِ العِظَامُ وَلِلخَيَّالَة ِ السَّلَبُ
لا أبعدَ الله عن عيني غطارفة ً * إنْساً إذَا نَزَلُوا جِنَّا إذَا رَكِبُوا
أسودُ غابٍ ولكنْ لا نيوبَ لهم * إلاَّ الأَسِنَّة ُ والهِنْدِيَّة ُ القُضْبُ
تعدو بهمْ أعوجيِّاتٌ مضَّمرة ٌ * مِثْلُ السَّرَاحِينِ في أعناقها القَببُ
ما زلْتُ ألقى صُدُورَ الخَيْلِ منْدَفِقاً * بالطَّعن حتى يضجَّ السَّرجُ واللَّببُ
فا لعميْ لو كانَ في أجفانهمْ نظروا * والخُرْسُ لوْ كَانَ في أَفْوَاهِهمْ خَطَبُوا
والنَّقْعُ يَوْمَ طِرَادِ الخَيْل يشْهَدُ لي * والضَّرْبُ والطَّعْنُ والأَقْلامُ والكُتُبُ
إذا لنشرح هذه الأبيات بيتا بيتا:
7) إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها * عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ
 8) اليَومَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَيَّ فَتىً * يَلقى أَخاكَ الَّذي قَد غَرَّهُ العُصَبُ
9) فَتًى يَخُوضُ غِمَارَ الحرْبِ مُبْتَسِماً * وَيَنْثَنِي وَسِنَانُ الرُّمْحِ مُخْتَضِبُ
10) إنْ سلَّ صارمهُ سالتَ مضاربهُ * وأَشْرَقَ الجَوُّ وانْشَقَّتْ لَهُ الحُجُبُ
الأبيات من 7 إلى 9 شرحت في الجزء الأول، ولكني وضعتها مجددا في هذه الجزء حتى يفهم سياق الأبيات.
سل الشيء من الشيء: انتزعه برفق منه، ومنه قول سل الشعرة من العجين وسل السيف من غمده.
وصرم الشيء أي قطعه، فالصارم هو السيف.
والحُجُب جمع حجاب، وتأتي بمعنى الساتر، لكن معناها هنا ما أشرف من الجبل أو ما تراه من الجبل.
فهو يقول: وإذا أخرجت سيفي من غمده وجدت الدنيا تتقلب، فالمضارب تسيل على الرءوس، وأنار الجو بإشراق الشمس، وانشقت حجب الجبال خوفا ورهبة من سيفي.
11) والخَيْلُ تَشْهَدُ لي أَنِّي أُكَفْكِفُهَا * والطّعن مثلُ شرارِ النَّار يلتهبُ
كفكف فلانا عن فعل شيء: صرفه عنه، وهو يقصد أن يكفكف الخيل عن مساعدته.
فهو يقول أنه لا يستعمل الخيل ويكتفي بنفسه والخيل تشهد له ذلك، وشبه طعنه للأعداء كشرار النار في توقدها والتهابها.
12) إذا التقيتُ الأعادي يومَ معركة ٍ * تَركْتُ جَمْعَهُمُ المَغْرُور يُنْتَهَبُ
13) لي النفوسُ وللطّيرِ اللحومُ وللـ * ـوحْشِ العِظَامُ وَلِلخَيَّالَة ِ السَّلَبُ
انتهب الشيء: أخذه.
والوحش هو ما لم يستأنس من دواب البر كالذئب وغيره.
والخَيَّالة جمع خَيَّال وهو صاحب الخيل.
والسَلَبُ هو ما يُسْلَب والجمع أسلاب، والمقصود بالسلب غنائم الحرب.
"فإذا لقيت الأعداء في معركة جعلتهم غنائم ووزعتهم فلم يبق منهم شيء، فأنا آخذ حياتهم وأنفسهم، والطير يأكل لحومهم، والوحش يأكل عظامهم، والخيالة يأخذون غنائمهم، فلا يبقى منهم شيء." 
14) لا أبعدَ الله عن عيني غطارفة ً * إنْساً إذَا نَزَلُوا جِنَّا إذَا رَكِبُوا
ثم يمدح عنترة الأسياد والكرام فيقول..
غطارفة: جمع غطريف، وهو السيد الكريم.
فعنترة يمدح أسياد قومه وكرامهم، فيدعو ألا يحرمه الله منهم، ويقول أنهم مستأنسين إذا نزلوا عن الفرس وجالسوا أقوامهم (في السلم)، ومتوحشين إذا ركبوا الفرس في المعركة (في الحرب).
15) أسودُ غابٍ ولكنْ لا نيوبَ لهم * إلاَّ الأَسِنَّة ُ والهِنْدِيَّة ُ القُضْبُ
والهندية: أي السيوف الهندية، وقد عرفت بقوتها.
قُضُب جمع قضيب، ومن الجموع الأخرى لقضيب قضْب وقضبان وقُضبان، والقضيب هو الغصن أو العود المقطوع من الشجرة، والقضيب هو السيف القاطع، لكن معناها هنا هو السيف.
"فهم كالأسود ولكن لا يملكون الأنياب وعوضا عن ذلك يملكون الأسنة الحادة وسيوف الهند."
16) تعدو بهمْ أعوجيِّاتٌ مضَّمرة ٌ * مِثْلُ السَّرَاحِينِ في أعناقها القَببُ
أعوجيات: نسبة إلى الفرس "أعوج"، وقيل أنه فحل كريم تنسَب الخيل الكرام إِليه.
وضَمَّر الفرس: أي رَبَطَهُ وعَلَفَهُ وسقاه كثيرًا مدةً، وركضَهُ في الميدانِ حتى يخفّ ويدقّ، ومدةُ التضمير عند العرب أَربعون يوما، فهو إذا فرس مُضَمَّر.
والسراحين: جمع سِرحان، وهو الذئب.
وقَبَّ يقُبُّ قَبًّا وقَبَبًا: أي دق خصره وضمر بطنه، فهو أقب وهي قباء.
إضافة: قب الأسد: أي سُمعت قعقعة أنيابه، وقب الناس: أي صخبوا في الخصومة.
"وتعدو بهم أفراس كريمة ضُمِّرت، تشبه الذئاب، وأعناقها دقيقة ضامرة."
17) ما زلْتُ ألقى صُدُورَ الخَيْلِ منْدَفِقاً * بالطَّعن حتى يضجَّ السَّرجُ واللَّببُ
ضج: أي صاح من الشكوى، وهو ضج يضِجُّ ضَجًّا.
والسرج: رحل الدابة وهو معروف.
واللبب: ما يشد على صدر الناقة أو الدابة وهو معروف.
(اللبب: سَيْر يُشدُّ إلى حِزام السَّرْج، مارًّا بين قائمتَي الفرس الأماميَّتين حتّى يتّصل باللِّجام)
اللبب

السرج

"وإني في المعركة أضرب صدور الخيل وأطعنهم حتى صاح السرج واللبب من الشكوى."
18) فالعميُ لو كانَ في أجفانهمْ نظروا * والخُرْسُ لوْ كَانَ في أَفْوَاهِهمْ خَطَبُوا
19) والنَّقْعُ يَوْمَ طِرَادِ الخَيْل يشْهَدُ لي * والضَّرْبُ والطَّعْنُ والأَقْلامُ والكُتُبُ
والنقع: الغبار الساطع، وقد ذكر في القرآن في قوله [العاديات:٤] "فأثرن به نقعا"
طراد مصدر للفعل "طارد".
"وهذه الطعنة قوية لها أثر، فإذا كان هذا الطعن في أجفان العمي لنظروا، ولو كان في أفواه الخرس لخطبوا.
ويشهد لي ذلك الغبار الذي يسطع ويملأ أرض المعركة بسبب مطاردة الخيل، ويشهد لي ذلك الضرب والطعن والأقلام والكتب."

التعليقات

هنا أنت الكاتب، قل ما تريد، كن مهذبا

  1. ممتاز جدا هذا الشرح حبذا لو تكون سلسلة دورية لشروحات القصائد والمعلقات

    ردحذف
  2. ماذا يقصد الشاعر ب الاقلام والكتب في البيت الاخير

    ردحذف
    الردود
    1. أهلا وسهلا، يقصد أن الكتاب سيسجلون عنه وسيشهدون له بطولاته في أرض المعركة، فتكون الأقلام والكتب شاهدة له.

      حذف
    2. يعني انو يشهدو الو الاقلام و الكتب

      حذف
  3. ما هي ملامح العصر الجاهلي من خلال الأبيات السابقة

    ردحذف
  4. شكرا جزيلا علي هذا الشرح الجميل

    ردحذف
  5. يوجد ابيات ليست مشروحة؟!..

    ردحذف
    الردود
    1. توجد أبيات مشروحة في الجزء الأول من المقال، ووضعت رابط الجزء الأول أعلى المقال.

      حذف
  6. مشكور على جهودك.

    ردحذف

يُشَغَّلُ من Blogger

تصميم الورشة مع تعديل وتطوير مني