ملاحظة: اتخذت أسلوبًا جديدًا في الكتابة على مشروع الإحياء وهو كتابة المقال على شكل قصة خيالية. هذا هو الجزء الثالث من شرح القصيدة ومكتوب بالأسلوب الجديد، وفيه شرح الأبيات من 23 إلى 38، أما الجزءان الأول والثاني وفيهما شرح أبيات القصيدة من 1 إلى 22- فمكتوبان على الأسلوب التقليدي.
رابط الجزء الأول>>
رابط الجزء الثاني>>
وقفت على محطة القطار، أقرأ الجريدة لأتسلى بها ريثما يصل القطار إلى المحطة، ويداعب الجريدة ويهزها بعض النسيم العليل، فيطويها ويقفلها، فأجد الجريدة ويكأنها ترفض أن تُقرأ.
أسمع للجريدة صوتًا يصمني عن تلك الأصوات المزعجة والهمهمة الكثيفة في المحطة. قرأت في الجريدة بيتًا أعرفه جيدًا وأعلم أنه مشهور، هو بيت قاله أبو الطيب المتنبي في الفخر بنفسه، لقد قال:
"الخيل والليل والبيداء تعرفني * والسيف والرمح والقرطاء والقلم"
ما أفصح المتنبي! ولكن مهلًا.. ما البيداء؟ كل هذه الفترة أقرأ البيت دون أن أسأل عن معنى كلمة البيداء!
للأسف لا أستطيع فتح معجم الآن فأنا في المحطة، فقررت أن أسأل أحدًا ما عندما أركب القطار، وإذ بالقطار قد وصل، والناس يندفعون كالسيول المتضادة، سيل من الناس يخرج من القطار، وسيل من الناس يركبه.
وصلت إلى مقعدي، وبيت الشعر لا زال مشتعلًا في عقلي، وأريد أن أسأل أحدًا لكني محرج، ولم سيكون من أسأله يعرف الإجابة أصلًا، هل كل الناس معلمو لغة عربية؟
رأيت رجلًا بجانبي يرتدي زيا فاخرًا ويبدو عليه أنه مدرس، هل أسأله؟ قررت فجأة أن أسأله، فلا مكان للحرج.
-"سيدي، السلام عليكم، لدي سؤال قد ربما تعلم إجابته، هل تعلم معنى كلمة البيداء في قول المتنبي (الخيل والليل والبيداء تعرفني)؟"
="بالطبع لا! هل تراني مدرس لغة عربية؟"
-"شكرًا يا سيدي، سأحاول أن أسأل أحدًا آخر" قلتها وقلبي يشتعل، ما فائدة هذا الزجر؟ ما فائدة هذا السؤال الاستنكاري في النهاية؟ ألم يكن أفضل أن يقول "للأسف لا أعلم." وانتهينا؟
أسمع للجريدة صوتًا يصمني عن تلك الأصوات المزعجة والهمهمة الكثيفة في المحطة. قرأت في الجريدة بيتًا أعرفه جيدًا وأعلم أنه مشهور، هو بيت قاله أبو الطيب المتنبي في الفخر بنفسه، لقد قال:
"الخيل والليل والبيداء تعرفني * والسيف والرمح والقرطاء والقلم"
ما أفصح المتنبي! ولكن مهلًا.. ما البيداء؟ كل هذه الفترة أقرأ البيت دون أن أسأل عن معنى كلمة البيداء!
للأسف لا أستطيع فتح معجم الآن فأنا في المحطة، فقررت أن أسأل أحدًا ما عندما أركب القطار، وإذ بالقطار قد وصل، والناس يندفعون كالسيول المتضادة، سيل من الناس يخرج من القطار، وسيل من الناس يركبه.
وصلت إلى مقعدي، وبيت الشعر لا زال مشتعلًا في عقلي، وأريد أن أسأل أحدًا لكني محرج، ولم سيكون من أسأله يعرف الإجابة أصلًا، هل كل الناس معلمو لغة عربية؟
رأيت رجلًا بجانبي يرتدي زيا فاخرًا ويبدو عليه أنه مدرس، هل أسأله؟ قررت فجأة أن أسأله، فلا مكان للحرج.
-"سيدي، السلام عليكم، لدي سؤال قد ربما تعلم إجابته، هل تعلم معنى كلمة البيداء في قول المتنبي (الخيل والليل والبيداء تعرفني)؟"
="بالطبع لا! هل تراني مدرس لغة عربية؟"
-"شكرًا يا سيدي، سأحاول أن أسأل أحدًا آخر" قلتها وقلبي يشتعل، ما فائدة هذا الزجر؟ ما فائدة هذا السؤال الاستنكاري في النهاية؟ ألم يكن أفضل أن يقول "للأسف لا أعلم." وانتهينا؟
قررت ألا أسأل أحدًا آخر، سكتُّ وصبرت، وإذ بصوت يأتي من كرسي خلفي يقول "البيداء هي الصحراء!"
رَنَّت الكلمة في أذني، ما أسهل المعنى! أنا كنت أعلم أن البيداء هي الصحراء ولكني لم أستحضر المعنى.
أكملت الاستماع إليه وهو يقول "والجمع بيداوات، وقد سميت بيداء لأنها تبيد سالكها وتهلكه."
قمت بسرعة من مقعدي، وأقبلت سيرًا نحوه، وجدت مقعدًا بجانبه خاليًا بجانب النافذة، فسألته:
-"هل تمانع سيدي أن أجلس بجانبك؟"
="لا مانع يا صاح، اجلس أينما تريد."
-"من أنت؟ هلَّا عرفتني بنفسك؟"
="لا يهم من أنا، المهم أني قد أفدتك، أرجو الله أني قد أفدتك."
-" بالطبع قد أفدتني، أشكرك كثيرًا، ولكن ما المانع في أن أعرف..." وكنت أريد أن أسأله من هو، فلم يدعني أكمل كلامي وقاطعني قائلًا:
="أتريد أن أشرح لك باقي أبيات القصيدة؟"
أسكتني بهذا العرض السخي، ولم يكن لي جرأة أن أسأله مجددا عن هويته، يا لوقاحتي إن فعلتها! لذا رددت قائلًا:
-"سيكون كرمًا منك عظيمًا لو تشرح في باقي أبيات المتنبي، فأنا أحب الشعر للغاية."
="طيب، إليك ما قاله المتنبي بعد هذا البيت:
رَنَّت الكلمة في أذني، ما أسهل المعنى! أنا كنت أعلم أن البيداء هي الصحراء ولكني لم أستحضر المعنى.
أكملت الاستماع إليه وهو يقول "والجمع بيداوات، وقد سميت بيداء لأنها تبيد سالكها وتهلكه."
قمت بسرعة من مقعدي، وأقبلت سيرًا نحوه، وجدت مقعدًا بجانبه خاليًا بجانب النافذة، فسألته:
-"هل تمانع سيدي أن أجلس بجانبك؟"
="لا مانع يا صاح، اجلس أينما تريد."
-"من أنت؟ هلَّا عرفتني بنفسك؟"
="لا يهم من أنا، المهم أني قد أفدتك، أرجو الله أني قد أفدتك."
-" بالطبع قد أفدتني، أشكرك كثيرًا، ولكن ما المانع في أن أعرف..." وكنت أريد أن أسأله من هو، فلم يدعني أكمل كلامي وقاطعني قائلًا:
="أتريد أن أشرح لك باقي أبيات القصيدة؟"
أسكتني بهذا العرض السخي، ولم يكن لي جرأة أن أسأله مجددا عن هويته، يا لوقاحتي إن فعلتها! لذا رددت قائلًا:
-"سيكون كرمًا منك عظيمًا لو تشرح في باقي أبيات المتنبي، فأنا أحب الشعر للغاية."
="طيب، إليك ما قاله المتنبي بعد هذا البيت:
الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني * وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً * حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ
يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ * وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ
مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ * لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ
إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا * فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ
وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ * إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ * وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي * أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ * يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ
أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ * لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا * لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ
إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا * أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ * وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ * شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ
بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ * تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ * قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ
="هذه القصيدة كما تعلم هي قصيدة قالها المتنبي لسيف الدولة بعدما أوقع به وبين سيف الدولة حساده، الذين لم يعجبهم أن المتنبي له مكانة رفيعة عند سيف الدولة"
-"نعم أعلم مناسبة القصيدة، قرأت عنها من قبل."
="طيب، إليك شرح الأبيات بيتًا بيتًا."
23) الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني * وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
="كما قلت لك، البيداء هي الصحراء، وسميت كذلك لأنها تبيد صاحبها، فالشاعر يفخر بنفسه أمام أولئك الحساد الباغضين، فالخيل تعرفه لكثرة ركوبها ولفروسيته، والليل يعرفه لكثرة سعيه فيه، والبيداء تعرفه لأنه يسلكها كثيرًا دون خوف، والسيف والرمح يعرفانه ويشهدان له فروسيته في الحروب، والقرطاس والقلم يشهدان له كتابة فصيح الشعر.. آه نسيت، القرطاس هو الصحيفة يكتب فيها والجمع قراطيس."
-"جميل، ما أبلغه!"
=" ثم يتابع فخرَه قائلًا
24) صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً * حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ="الفلوات جمع فلاة وهي الأرض الواسعة المقفرة أجارك الله، والقور جمع قارَة، ليس قارَّة، قارَة بدون تشديد راء وهي الأكمة."
-"وما الأكمة؟"
="الأكمة تل يرتفع عما حوله من أرض، وهو غليظ فلا يكون صخرة، وهو قليل الارتفاع فلا يكون جبلًا."
-"والأكَمُ، في آخر البيت، ما هي؟"
="الأكَمُ جمع أكمة. وجمع أكَم إكام مثل جبل وجبال، وجمع إكام أُكُم مثل كتاب وكتب، وجمع أُكم آكام مثل عنق وأعناق."
-"يا للعجب! أتصل لجمع جمع الجمع؟ علمك غزير ما شاء الله!"
="شكرًا لك، المهم أن الشاعر يقول أنه سار في الفلاة منفردًا وصحب فيها وحوشها منفردًا حتى تعجبت منه الأكَمُ."
="ثم يقول:
25) يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ * وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ
26) مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ * لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ
="وِجدان في أول بيت، أتعلم معناها؟"
قلت له واثقًا: "أجل، هو العاطفة والشعور."
="كلَّا، في هذا البيت يكون معناها مصدرًا للفعل وجد، فنقول وجد وِجدانًا كأتى إتيانًا وذهب ذهابًا وهكذا.
فهو يقصد: يا أولئك الذين نحبهم، صرنا نجد كل شيء بعدكم عدمًا، فليس لكم بدل بعدكم."
-"سأكون حذرًا عندما تسألني مجددًا، ماذا عن البيت الثاني؟"
="ما هنا هي اسم تعجب، مثل ما أجمل السماء ونحوه، وأخلقنا أي أحرانا وأجدرنا، أما (كان) بعدها فهي مهملة لا عمل لها، والأمَمُ هو القرب.
فهو يقصد: ما أجدرنا بالتكرمة منكم لو أن كانت الأمور بيننا وأحوالنا تقارب ومحبة."
="ثم يقول:
27) إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا * فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ
28) وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ * إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
="يقصد في البيت الأول: لو كنتم أسررتم بما قاله حسادنا عنا، وكان ذلك يرضيكم، فنحن راضون بذلك، لأن الجرح الذي يرضيكم ليس له ألم."
="وفي البيت الثاني: النُّهى هو العقل، والجمع نُهْية."
-"نعم قد علمت ذلك، فقد قال الله تعالى في سورة طه (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى)"
="أحسنت! أما الذمم هي العهود والمفرد ذمة.
فهو يقول: إن بيننا -لو أنكم ترعون ذلك وتحفظونه- معرفة، والمعرفة عند أهل العقل ذمم ومواثيق."
-"جميل، ماذا أيضًا؟"
="ثم أكمل يقول:
29) كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ * وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
30) ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي * أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
="هو يقصد: كم أنكم تتبعون عيوبنا وتبحثون لها فيعجزكم وجودها، والله يكره هذا الفعل، والكرم والشيم الكريمة تكره هذا الفعل.
يا لسذاجتكم عند بحثكم عن عيوبي، فما أبعد العيوب عن شرفي، فأنا في عظمتي مثل الثريا... أتعلم الثريَّا؟"
-"نعم، هي مجموعة نجوم لامعة في السماء عند عنق الثور."
="جميل، ذان هو اسم إشارة للمثنى، بمعنى (هذان)، والهَرَم هو الشيب والكبر، فهو يقول: أنا الثريا في السماء أعلو عن العيوب، وهذان الشيب والهرم، فما دامت الثريا لا تشيب ولا تهرم فأنا لا يمسني عيب."
31) لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ * يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ="الدِّيَم جمع دَيْمَة وهي المطر بلا برق أو رعد.
الديم هي المرجوة من الغمام كما تعلم، أما الصواعق مكروهة، فهو يقول: ليت الغمام الذي يضربني بصواعقه يزيل تلك الصواعق إلى من عنده ديم، وليت الشر يزال من عندي إلى من لديه الخير."
تعجبت له! يحفظ القصيدة كاملةً ويحفظ شرحها، ويتكلم باستمرار دون تردد! ما أغربَه، أريد فعلًا أن أسأله من هو، لكني أكملت الاستماع لشرحه الجميل في سكوت.
="ثم يكمل قائلًا:
32) أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ * لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ="النوى هو البُعْدُ، ويقتضيني أي يكلفني، وتستقل أي تمضى وترحل، والوخَّادة هي الناقة واسعة الخطوة، من الوخد وهو سعة الخطو في المشي.
أما الرُّسُم فهي جمع رَسُوم، وهي الناقي التي تؤثر في الأرض من شدة وطئها
أي أنه يقول: إن البعد والجفاء الذي تصنعه لي يكلفني سيرًا لا تقوم به الناقة القوية السريعة."
="ثم يتابع قائلًا:
33) لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا * لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُضُمَير هو جبل عن يمين الراحل إلى مصر من الشام، والميامن جمع ميمنة وهي ناحية اليمين.
نون النسوة هنا تعود على النوق الوخادات كما قلنا، فهو يقصد: البعد عنكم يكلفني سيرًا كثيرًا، ولئن رحلت مع إبلي وتركنا ضميرًا عن يميننا راحلين إلى مصرَ، فإنك ستندم على توديعي وفراقي."
-"ياله من عزيز النفس، أيفخر بكل هذه الجرأة؟!"
="ما أعزَّ العرب القدامى يا صديقي، المهم: أكمل قائلًا:
34) إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا * أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ
35) شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ * وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
يقصد: إذا رحلتَ عن قوم وقد كانوا قادرين على أن يكرموك ويقنعوك ألا ترحل، إذًا فهم من اختاروا أن ترحل لا أنت، ويريد بهذا أن يقيم عليهم الحجة في فراقهم وأنهم من ألجئوه إلى الفراق."
="ذلك لأن أسوأ مكان نقيم فيه هو مكان لا صديق به، وأسوأ شيء يكسبه الإنسان هو شيء يعيبه وينقص كرامته، آه، نسيت.. يَصِمُ أي يعيب من وَصَمَ يصم وَصْمًا ووصْمَة."
36) وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ * شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُالقَنَص هو الصيد، والشُهْب هو سواد يشقه بياض. البزاة جمع بازٍ وهو نوع طير قوي من الصقور، أما الرَّخَم فجمع رَخْمة وهو طائر أبقع ضعيف، يقصد: أسوأ صيد أصطاده صيدٌ يستوي فيه القوي والضعيف، أي أنك ساويت بيني وبين ضعاف الشعراء في المكانة."
37) بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ * تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُالزعنفة هي الجماعة من كل شيء، فهو يستنكر قائلًا: كيف تقول لديك الشِعْر هذه الزعنفة التي جمعت أوباش الناس، فهم في كلامهم ليسوا عربًا ولا عجمًا، فهم ليسوا شيئًا.
38) هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ * قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُالمِقة هي المحبة، فهو يقصد: هذا الكلام عتاب لك لكنه محبة لك وودٌّ، قد تضمن درًّا لحسن نظمه لكنه كلام وشعر.
="وبهذا أقول مبارك عليك! هذا آخر بيت في القصيدة، ألديك أي سؤال آخر؟"
-"أشكرك شكرًا جزيلًا بارك الله فيك، لم تدع لي سؤالًا إلا ووضحت فأحسنت يا صاحبي.
="الآن عذرًا سأرحل، أنا مستعجل."
قام الرجل بسرعة وسمعته يجري في الممر، استغربت من تصرفه وأطرقت قليلًا، ثم قمت بسرعة لأرى أين يجري، ثم نظرت فلم أجد أحدًا! لقد اختفى بسرعة! كم كنت أريد أن أتكلم معه أكثر وأن أستفيد منه أكثر وأن أعلم من هو. لا زال هذا الرجل غريبًا، لهجته غريبة في الكلام وطريقته غريبة، كنت أريده أن يتحدث عن نفسه.
استلقيت على الكرسي وأسندت رأسي إلى زجاج النافذة وأنا أرى الأراضي تجري سريعًا للخلف، أتأمل فيها، وأفكر في هذا الرجل الغامض، في نبرته الجميلة وهو يشرح، في حماسه وهو يعلمني، وأنا متأكد من أني لن أنساه طيلة حياتي.
النهاية
------------------
ملاحظة أخيرة: تم شرح الأبيات من 1 إلى 22 في الجزأين الأول والثاني، بطريقة تقليدية لا على شكل قصة، روابطهما في أعلى المقال، وشكرًا على القراءة.
شكرا جزيلا، استمعت بالقراءة. اول مرة اشوف احد كأنه ينكت وهو يكتب مقالة هههههه ،اسلوبك اكثر من رائع
ردحذفعلى الرحب زائرنا الكريم، سعدت بتعليقك جدا!
حذفافضل شرح شوفته في حياتي
ردحذفتسلم
حذفشرحك رهيب استمر
ردحذفبوركت
حذفاساليب الكتابة مختلفة وهذا الاسلوب بلا شك ساحر تحس الي يكتب اعلم اهل الارض بس يكئبني ويحسسني بالنقص
ردحذفجزيت خيرا على هذا الكلام الطيب.
حذفبالطبع ما كان المقال ليحوي كل هذا العلم لو كتبته معتمدا على ما في صدري من علم، فأنا أضع المعجم أمامي طوال الوقت لأزيد دقة شرحي، لكني أحاول دوما تدريب ذاكرتي وتحسينها
جُزيتَ خيراً الشرح قمة في الإبداع صدقاً
ردحذفآمين وإياكم، وسلمت.
حذفممكن سؤال
حذفهلق اشو علاقة الفرس بالمتنبي
ممكن شرح لانو عم اكتوب موضوع 😩😩
أهل وسهلا..
حذفلم أفهم سؤالك.. أي فرس؟ ثم هلا تواصلت معي عبر البريد الموضح في صفحة "اتصل بنا" حتى أستطيع الرد عليك؟ ودمت بخير.
هل يمكنني التواصل معك على الفايسبوك لأنني أملك العديد من الأسئلة وشكرا
حذفلا بأس، تواصل معي
حذفشرحك ليس جيد بنسبة لي , هل يمكن فقط وضع المعلومات لافهم ؟
ردحذفمن اجمل الشروحات التي قراتها للمتنبي بوركت وجزاك الله خيرا استمر
ردحذفمفيد للغاية والله جزيت خيرا
ردحذفممكن مصادر ومراجع الشرح ده
ردحذف