في يوم جميل، والهواء عليل والسماء صافية، كان حسامٌ -طالب ذكي ومجتهد- يجلس على مكتبه يذاكر مادته المفضلة -الفيزياء- وبينما هو يذاكر إذ هو يشعر بصداع. أسرع يسأل أباه الطبيب، فينصحه بتناول حبة أسبرين حتى يخفف ألم رأسه، فيبتلع الحبة، ويشعر بتحسن ويكمل مذاكرته.
يرى بدء شرارة صغيرة لفضول حول هذا الدواء -الأسبرين- لكنه يكمل مذاكرته في سكوت.
ثم يدخل له أبوه، ومعه جهاز قياس الضغط.
-"ماذا تريد أن تفعل بهذا يا أبي؟"
="ربما يكون سبب الصداع هو ارتفاع في الضغط يا بني."
يجد أبوه ارتفاعًا في ضغط الدم، ويصف له دواء البرازوسين.
ويبدو أن حسامًا قد تحمس بزيادة، فتعاطى الكثير من البرازوسين، مما أدى لانخفاض في ضغط الدم، أغمي عليه! يكتشف ذلك أبوه، ويعطيه بسرعة حقنة وريدية من الفينيلفرين، فيشعر الفتى المسكين بتحسن.
الآن لا قوى للمذاكرة بعد هذا اليوم العصيب، ولا نقوى إلا للنوم، يضطجع حسام ويفكر في تلك الأدوية التي أخذها، كيف تعمل؟ حسام دائمًا فضولي ويحب أن يعلم الكثير، فيقرر أن يسأل أباه فور أن يستيقظ عن هذا الشيء الغريب.. الدواء!
استيقظ حسام، وبعد أن تناول وجبة الإفطار ذهب لأبيه قائلًا: "أبي، أتتني بعض التساؤلات بعد اليوم العصيب أمس، هلا حكيت لي قليلًا عن الدواء؟ كيف يعمل؟ كيف يؤثر؟"
="يا بني.. تذكرني بمادة درستها في الكلية كنت أعشقها رغم صعوبتها، إنها مادة علم الأدوية، أتريد فعلًا أن تعلم كيف يعمل الدواء؟"
-"بالطبع أريد! كيف أبتلع دواءً فيقلل لي ضغط الدم، وأبتلع دواءً آخر يرفعه، أليس هذا عجيبًا؟!"
المستقبلات الكيميائية Receptors
="جميل جميل، سأحكي لك كيف، ولكن دعني أحدثك أولًا عما يسمى المستقبل الكيميائي.
جسمك لديه قدرة كبيرة على التكيف مع الأوضاع الخارجية والداخلية، والحفاظ على اتزان كل شيء، فإذا شعر الجسم مثلًا بارتفاع في مستوى السكر، فإن ذلك سيحفز البنكرياس على إفراز مادة تسمى (الأنسولين) في الدم، ولكن كيف سيقلل الأنسولين من تركيز السكر في الدم؟"
-"ربما عبر تفاعل مع السكر مثلًا؟"
="كلا بالطبع، انظر لهذه الصورة واعتبر أن الأنسولين هو المثلثات الحمراء."
مصدر الصورة |
-"أي أن الأنسولين يعمل كرسالة من البنكرياس إلى جميع أعضاء الجسم، تقول لهم أن تركيز السكر في الدم عالٍ."
="بالضبط."
-"وما علاقة ذلك بالأدوية؟"
="سأخبرك..."
أنواع الأدوية
="في الواقع من الأدوية نوعان، النوع الثاني سأخبرك عنه في النهاية، لكن أغلب الأدوية هي من النوع الذي يعتمد على المستقبلات الحيوية."
-"وماذا يفعل هذا النوع؟"
="هذا النوع يرتبط هو الآخر بالمستقبل الحيوي، فيوهم الخلية أن رسالة تصل لها، هل تعلم الجهاز العصبي الودي أو السيمبثاوي Sympathatic nervous system؟"
-"نعم قرأت عنه، وهو جهاز يعمل في حالات الفزع والخطر، فيرفع مستوى الضغط والسكر ويزيد الدم المتجه للعضلات استعدادًا لمواجهة خطرٍ ما."
="ممتاز! ولكن هل تساءلت كيف يرفع الضغط مثلًا؟ هذا الجهاز العصبي الودي عندما يعمل فإنه يؤدي لإفراز مادتي الأدرينالين والنورأدرينالين، من أحد تأثيرات هاتين المادتين أنهما يشغلان مستقبلًا حيويًا يسمَّى مستقبل ألفا، موجود على خلايا بطانة الأوعية الدموية، عند تشغيله، فإنه يحفز تضييق الأوعية الدموية فيرفع الضغط."
-"دعني أخمن.. دواء الفينيلنفرين الذي أخذته عند انخفاض ضغطي كان يشغل تلك المستقبلات؟"
="عبقري يا بني! هذا الدواء يشغل مستقبلات ألفا، فتضيق الأوعية الدموية استجابة للمؤثر ويرتفع الضغط، ومع أن وظيفتها الأساسية هي رفع الضغط في حالة الخطر والخوف- فإننا استعملنا تلك المستقبلات لرفع الضغط لعلاج حالة مرضية."
-"والبرازوسين، الذي أخذته عند ارتفاع ضغطي، على أي مستقبل يعمل؟"
="على مستقبلات ألفا أيضًا." قالها مبتسمًا ينتظر السؤال الذي سيدور في ذهن ابنه.
-"ماذا؟! كيف يعمل هو الآخر على مستقبل ألفا وهو دواء أخذته بسبب ارتفاع الضغط؟!"
="ههه كنت متأكدًا من أنك ستسأل، الفينيلنفرين هو دواء يسمى ناهضًا للمستقبل Receptor agonist،فهو عند ارتباطه به يشغله، أما البرازوسين فهو يسمى حاصرًا للمستقبل Receptor antagonist، فهو يرتبط به دون أن يشغله."
-" فهمت! هو إذًا يمنع تشغيله، لأنه يرتبط به دون أن يشغله فيمنع النواهض من الوصول إليه، فينخفض الضغط."
="بالضبط يا بنيَّ، وهذا النوع من الأدوية يدعى الدواء المعتمد على المستقبل. ولكن ليست كل الأدوية تعمل على مستقبلات على سطح الخلية، بعض الأدوية تعمل على إنزيمات داخل الخلية فتنشطها أو تثبطها، حينها نعد هذا الإنزيم مستقبلًا."
-"وهل تعمل المضادّات الحيوية بنفس الطريقة؟"
="بالطبع، ولكن المستقبل يكون على الخلية البكتيرية لا الخلية البشرية، دعني مثلًا أحكيك عن البنسلين، أشهر مضاد حيوي، هذا يرتبط ببروتين في الخلية البكتيرية، فيعطل هذا البروتين من العمل، هذا البروتين مهم لصنع مادة أساسية في تكوين حائط الخلية، لذا بعد تعطل هذا البروتين يفشل صنع حائط الخلية وتموت الخلية البكتيرية."
-"ماذا عن النوع الآخر من الدواء؟ قلت لي أن الأدوية نوعان."
="آه.. ذكرتني.. النوع الآخر هو نوع لا يعتمد على المستقبلات، ويسمى عمله non-receptor-mediated action، من أمثلته تناول ملح قلوي من أجل معادلة حموضة المعدة، فيعالج قرحة المعدة بتفاعل كيميائي بسيط للغاية، لذا لا نعده عاملًا على أي مستقبل."
-"لقد أحببت هذا العلم، يبدو أنه مشوق، سأقرأ عنه أكثر."
="بالطبع، لقد كان علم الأدوية عشقًا في كليتي رغم صعوبة مذاكرته."
-"ههه بالطبع أنا لن أذاكر، سأقرأ فقط، حينها سأستمتع به قدر المستطاع."
="وفقك الله يا بني."
النهاية
ماشاء الله ارجو الاستمرار
ردحذفأشكرك شكرًا جزيلًا أخي الكريم.. بإذن الله سنستمر متوكلين على الله.
حذف