مدخل إلى مفهوم الاحتكار (2): أسباب الاحتكار Monopoly وحواجز دخول السوق.


علمنا في المقال السابق معنى الاحتكار والفرق بينه وبين باقي درجات الإنتاج، والآن يريد علاء أن يعلم أسباب حدوث الاحتكار، فيمتطي بساطه السحري ويجوب أرجاء العالم بحثا عن حالات الاحتكار ويحقق في أسباب حدوثها. بداية يرجى العلم بأن أسباب حدوث الاحتكار في علم الاقتصاد تسمى حواجز دخول السوق، فالاحتكار سببه أصلا عدم قدرة الهيئات على الدخول والمنافسة في سوق منتج ما، ووجود هيئة واحدة فقط في هذا السوق، مما يجعلها محتكرة في هذا المجال، تلك العوائق التي تصعب على الهيئة الجديدة دخول السوق تدعى حواجز دخول السوق Barriers to entry، تلك العوائق سيأتي نقاشها في هذا المقال.


1)الاحتكار الطبيعي

 الآن علاء على بساطه، يسافر إلى بلدة سمع أن أحد الهيئات هناك تحتكر خدمة توفير الكهرباء للمنازل، ينزل للبلدة للتحقيق في أمر هذه الشركة.. نزل على أرض البلدة وتعرف على احد المواطنين، أخذا يتكلمان معا، ثم جاء وقت الجد، وعلينا أن ننهي مهمتنا، سأله علاء: "سمعت أن هيئة هنا تحتكر خدمة توفير الكهرباء للمواطنين."
="نعم.. ذلك حق، ولا أحد تمكن من منافسة هذه الشركة."
-"ولكن لم ذلك؟"
="سأقول لك.. عندما بدأت تلك الشركة كانت توفر الخدمة لتسعة منازل فقط، وكانت الخدمة حينئذ ثمينة. بعد ذلك صار إضافة أي عميل جديد -بالنسبة لتلك الشركة- شيئا رخيصا.
-"لم ذلك؟"
="لأنها أمدت الكهرباء لتسعة منازل، وقد أكملت البنية التحتية للشركة، فتستطيع مد الشبكة بسهولة إلى منزل عاشر بتكلفة قليلة جدا، فمحطة التوليد تم بناؤها، وأما مد الشبكة إلى منزل آخر مجاور فلن يكلف سوى بعض الأسلاك، مما جعل الخدمة لدى تلك الشركة رخيصة، وجعل العملاء يتهافتون على الحصول على الخدمة من تلك الشركة."
-"قد فهمت ذلك، ولكن لم لا تدخل أي هيئة جديدة لمنافسة هذه شركة؟"
="ذلك لأن الطلب على هذه الخدمة ليس وفيرا، والعملاء قليلون، وبذلك فإنه إن ظهر عميل جديد يريد الخدمة فإن أمامه خياران: إما أن يختار الخدمة من الموفر القديم وسيكون السعر منخفضا، أو أن يختار هيئة جديدة وسيكون السعر عاليا للأسف، فهذه الشركة بدأت للتو وكلفت الكثير لبناء محطة التوليد، وستكلف الكثير أيضا لنقل الكهرباء من محطة التوليد للمنزل، هذا ما يجعل العميل الجديد دائما مختارا للهيئة القديمة، وهذا ما لا يجعل أحدا ينافس تلك الشركة.. إلا إذا كان غبيا."
-"ماذا لو كان الطلب على تلك الخدمة وفيرا؟"
="ذلك سيجعل الهيئة الجديدة قادرة على توفير الخدمة إلى الكثير من العملاء مع بدايتها، مما سيساعدها على تخفيض سعر الخدمة، لكن العملاء قليلون كما قلت، وهيئة واحدة فقط قادرة على خدمة السوق كله في هذا المجال."
-"شكرا لك يا سيدي.. أنا ممتن لك."
="على الرحب يا صديقي."
وهنا تعلم علاء أول حاجز لدخول السوق، يسمى الاحتكار من هذا النوع الاحتكار الطبيعي Natural monopoly، يحدث عندما يكون إضافة عميل جديد لشركة قديمة أرخص من إضافة عميل جديد لشركة جديدة، ومن أمثلته توفير خدمة الكهرباء أو المياه لمنازل، فمن الرخيص إضافة عميل جديد لشركة لها شبكة واسعة من أسلاك الكهرباء، عن طريق مد بعض الأسلاك وانتهى الأمر، لكن هل ستكون التكلفة هي نفسها بالنسبة لهيئة جديدة؟ يضاف إلى ذلك قلة الطلب مما يجعل هيئة واحدة قادرة على خدمة السوق كله، وهنا يحدث الاحتكار الطبيعي. عند حدوث الاحتكار الطبيعي فإن الحكومة غالبا ما تتدخل من أجل تنظيم الأمر، مثلا عبر التضييق على نفوذ الشركة.


2)السيطرة على الموارد

صعد علاء ببساطه السحري مجددا، وجعل يفكر فيما سمعه من هذا الرجل، وأثناء تفكيره تذكر أن الاحتكار قد يحدث كذلك إذا سيطرت الهيئة على الموارد اللازمة لإنتاج السلعة، فمثلا تسيطر شركة De Beers على معظم مناجم الماس حول العالم وبهذا تحتكر هذا النوع من السلعة. هذا النوع من الاحتكار نادر الحدوث للغاية لأن الإنتاج يتزايد والتجارة تنمو والعديد من المنشآت تقوم وتظهر وتمتلك الموارد.


3)الاحتكار الشرعي

يفكر علاء أيضا في الاحتكار الذي يحدث بسبب قوانين الدولة، فالدولة وضعت القوانين التي تجبر المواطنين على عدم المنافسة، فمثلا: الدولة هي الموفر الوحيد لخدمة البريد من الدرجة الأولى ولا يمكن لأي مواطن مخالفة هذا القانون.


4)الملكية الفكرية

الآن وصل علاء إلى بلدة أخرى سمع أن بها احتكارا، تحتكر أحد الشركات صناعة دواء مهم لعلاج داء خطير، ينزل إلى البلدة ويحقق في الأمر..
تحدث مع أحد المواطنين، وفي أثناء الحديث طفق يسأله: "ولكني سمعت أن شركة هنا تحتكر صناعة دواء لداء خطير، أذلك صحيح؟"
="نعم، ذلك صحيح."
-"ولكن لم لا تنافسها أي شركة أخرى؟"
="تطبيقا لقوانين الدولة، وحفاظا على حقوق الشركة.. فللشركة الحق في السيطرة على الاختراع لمدة عشرين سنة."
-"وكيف ذلك؟"
="تخيل أن تستثمر شركة ما أموالا طائلا في البحث العلمي لتكتشف دواء ما، ثم بعد ذلك كله تأتي شركة أخرى وتنتج الدواء بكل سهولة وتنافس الشركة الأولى مع أنها لم تستثمر أي شيء في البحث! أليس ذلك ظلما؟ إن كان الأمر كذلك فلن توجد أي شركة ستستثمر في مجال البحث العلمي."

-"وكيف تحل هذي العقدة؟"
="تضع لحكومة قواعد صارمة تحمي الملكية الفكرية للمؤلف أو المخترع أو غيره، بشكل يشجع المجتمع على الاتجاه إلى التأليف أو البحث العلمي، فتجعلهم الوحيدين القادرين على استخدام ما اخترعوه أو ألفوه لعدد من السنين، مما يمكنهم من تحقيق الربح المادي من هذه الابتكارات، وهذا ما يشجع الابتكار والبحث."

-"قد فهمت مقالتك.. وأنت تعني أن شركة الدواء تلك هي التي اكتشفته، لذا فالحكومة تحمي حقوقها بمنع أي شركة أخرى من إنتاج الدواء إلا بإذن من الشركة المكتشفة."
="قد أصبت.. وهذا ما يجعل سعر الدواء باهظا للغاية."
-"اعذرني.. مع غلو سعره فإن فيه نفعا لكم بتعزيز البحث العلمي."
="نعم نحن نعلم، وإنه لواقع مؤسف."
-"شكرا لك يا صاح.. اعذرني فإن علي أن أنصرف."
="صحبتك السلامة."
صعد علاء ببساطه وفرح لأنه قد حصل على سبب رابع للاحتكار، وهو الملكية الفكرية وحماية الحكومة للابتكار، وإعطاء الحكومة الفرد الحق في احتكار فكرته، سواء كانت تلك الفكرة اخراعا أو كتابا أو مقال أو أغنية أو صورة أو غيره.. مما يشجع مواطني تلك الدولة على الاستثمار في هذه المجالات ويعزز الاقتصاد والإنتاج، فهو احتكار لكنه احتكار محمود وجيد.


5)الترهيب من المنافسة

ثم يقرر علاء أن ينزل آخر منزل ويرى تلك البلدة التي سمع أن بها احتكارا في سوق رحلات الطيران، فشركة واحدة  توفر الرحلات في تلك البلدة.. ينزل إلى تلك البلدة ويحقق في السبب.
يفاجأ علاء بأن الشركة قد خفضت سعر أحد الرحلات بشكل لا يصدق! يسأل أحد المواطنين عن سر ذلك، فيجيب قائلا: "سيفعلونها مجددا.. مثل كل مرة."
-"ماذا هم فاعلون؟"
="في كل مرة تبدأ شركة جديدة في المحاولة في دخول سوق رحلات الطيران، فتوفر رحلة بين مدينتين، نجد الشركة المحتكرة تخفض سعر الرحلة بين نفس المدينتين بشكل لا يصدق! بل ربما تكون سعر التذكرة أقل من تكلفة الرحلة، كل ذلك حتى تجذب جميع الزبائن إليها، فتفلس الشركة التي تحاول المنافسة ويخلو السوق مجددا، حينها ترفع الشركة الأسعار مرة أخرى."
-"ولكن كيف يجعلون سعر التذكرة أقل من تكلفة الرحلة؟"
="هم شركة كبيرة وواسعة، لذا تستطيع أن تعوض تلك الخسارة من أرباحها في الرحلات الأخرى، أما الشركة الصغيرة فلن تستطيع ذلك، مما يجعل المستثمرين يرهبون الدخول لمنافسة تلك الشركة، مما جعلها محتكرة لهذا المجال."
-"قد فهمت مقالتك، وشكرا على وقتك."
="على الرحب، سيدي."
صعد علاء وقد علم السبب الخامس لحدوث الاحتكار ويسمى ترهيب المنافسة المحتملة Intimidating Potential Competition وهو عن طريق إحباط أي محاولة منافسة، قد تكون عبر تخفيض السعر لحين إفلاس هذا المنافس المحتمل، أو ربما يكون إحباط محاولته عبر حملات إعلانية ضخمة تسيطر على الزبائن تجعل الأمر صعبا بالنسبة له أن يدخل السوق، فمثلا: سيرهب المستثمر منافسة شركتي بيبسي أو كوكاكولا فهما علامتان تجاريتان معروفتان وإعلاناتهما ضخمة ومنتشرة في كل مكان. الترهيب من المنافسة أمر ممنوع قانونا وتعاقب الشركة التي تحاول فعلها، ولكن للأسف من الصعب إثبات ذلك على أي شركة، فيكون التدخل الحكومي في الأمر ضعيفا بعض الشيء.

وبهذا نلخص حواجز الدخول كلها فيما يلي:
-الاحتكار الطبيعي (الطلب قليل والتكاليف الثابتة عالية)
-السيطرة على الموارد (نادر الحدوث)
-الاحتكار الشرعي (صادر عن قوانين الدولة)
-الملكية الفكرية
-الترهيب من المنافسة
كل تلك الأسباب قد تؤدي إلى احتكار هيئة واحدة للسوق بأكمله وعدم وجود منافسين. وتوجد بعض الحواجز الأخرى التي لم أذكرها هنا لأنها تعد فروعا وحالات خاصة، فمثلا يوجد حاجز الشبكة، وهو يعني أن المنتج عليه أن يستعمل من أشخاص كثيرين حتى يكون له قيمة، مثل فيسبوك الذي يحتاج إلى شبكة كبيرة من الناس حتى يكون قيما، مما يجعل دخول شركة جديدة في هذا المجال أمرا صعبا بسبب الحاجة الملحة لبناء شبكة ضخمة من المستخدمين، لكن ذلك الحاجز يمكن اعتباره نوعا من الترهيب من المنافسة.

هذا كان نبذة عن حواجز دخول السوق، فإن أردت أن تستزيد فإليك المراجع التي استعنت بها.
مرجع 1 Principles of Microeconomics
مرجع 2 Boundless Economics
والله أعلم.. وشكرا على القراءة.

التعليقات:

إرسال تعليق

هنا أنت الكاتب، قل ما تريد، كن مهذبا

يُشَغَّلُ من Blogger

تصميم الورشة مع تعديل وتطوير مني