تريد عزة أن تشتري مسطرة لرسوماتها، ولكنها -لأنها تعلمت الكثير عن الاقتصاد- تعلم أنها قد تقابل نوعا من الاحتكار لهذه السلعة، خاصة وقد سمعت بإشاعات عن ذلك، فتتخيل عزة ما قد يحدث عندما تخرج لشرائها..
نريد أن نعلم معنى الاحتكار، ليس من الجانب الذي نفهمه، ولكن من ناحية علم الاقتصاد. الاحتكار أنواع، ولكن قبل ذكر أنواع الاحتكار لنذكر درجات الإنتاج، فالإنتاج -حسب درجاته- له أربعة أنواع:
1)المنافسة المثالية Perfect competetion
أول الدرجات هي المنافسة المثالية: وهي تعني أن السلعة متوفرة لدى الكثير من البائعين، لذا فإن البائع منافس للكثير من البائعين الآخرين وعليه أن يتمكن من غلبهم بإرضاء المشتري أكثر، تتخيل عزة نفسها تخرج وتجد المنافسة مثالية، فتكون القصة كالآتي:
أرادت عزة أن تستعمل المسطرة في بعض الرسومات، ولكن ليس لديها مسطرة، فارتدت خمارها وخرجت تسعى إلى محل القرطاسية لتشتري واحدة. وبعد أن قطعت المشوار وصلت للقرطاسية ووجدت مسطرة جميلة أعجبتها، وهي تعلم أن هذه المسطرة تباع بثلاثة جنيهات، سألت البائع: "أتبيع لي هذه بثلاثة؟"
رد البائع: "كلا، بل هي بخمسة جنيهات."
-"إني أشتريها دائما بثلاثة لا بخمسة!"
="هذا ثمنها عندي ولن أقبل بسعر أقل."
تركت عزة هذه القرطاسية وذهبت لقرطاسية أخرى لكي تشتري المسطرة نفسها، واشترتها من مكتبة أخرى بثلاثة جنيهات، وبهذا وصلت لمرادها وعادت لمنزلها راضية.
قصة جميلة.. ولكن لنناقشها قليلا..
في هذه القصة.. فإن البائع يبيع مسطرة متوفرة لدى الكثير من البائعين، والبائعون الآخرون يبيعونها بثلاثة، وهو يبيعها بخمسة، لذا من الطبيعي ألا يشتري منه أي أحد هذه السلعة، فهناك الكثير من المنافسين الذين سيرضون بسعر أقل، وهنا نقول أن إنتاج هذه المسطرة يقع تحت درجة المنافسة المثالية، فالمسطرة متوفرة لدى الكثير من البائعين، وكلهم ينافسون بعضهم ويحاولون إرضاء المشتري أكثر من غيرهم لكي يكسبوهم، فالمنافسة المثالية تؤدي في نهاية الأمر لإرضاء المشتري.
2)المنافسة الاحتكارية Monopolistic competition
والآن تتوقف عزة عن هذا التخيل، وتتخيل موقفا آخر يكون فيه الإنتاج في درجة أخرى تسمى المنافسة الاحتكارية، فتتخيل القصة كالآتي..
أرادت عزة أن تستعمل المسطرة في بعض الرسومات، ولكن ليس لديها مسطرة، فارتدت خمارها وخرجت تسعى إلى محل القرطاسية لتشتري واحدة. وبعد أن قطعت المشوار وصلت للقرطاسية ووجدت مسطرة جميلة أعجبتها، مسطرة جميلة لم تر مثلها قط، وفيها بعض الانحناءات والدوائر التي تساعدها في رسم المنحنيات، مع قدرتها على الطي من أجل وضعها في حقيبة، فهي مسطرة قيمة حقا، فأرادت شراءها بشدة، وسألت البائع: "بكم هذه المسطرة؟"
رد البائع: "ثمنها عشرة جنيهات."
-"أعلم أنها مسطرة قيمة، لكنها لا تستحق عشرة جنيهات، أتبيعها لي بسبعة جنيهات؟"
="كلا للأسف لا أستطيع أن أنزل السعر."
تعلم عزة أن هذا النوع القيم لن تجده في أي قرطاسية أخرى، لكن السعر لا يعجبها، فتنصرف وتشتري مسطرة أخرى من مكان آخر، وتعود لمنزلها.
كانت تريد شراء المسطرة القيمة.. لكن البائع مستغل وهي لا ترضى بذلك.
لنناقش هذه القصة.. في هذه القصة فإن باقي البائعين لديهم سلع مشابهة (لديهم المساطر) لكنهم ليس لديهم هذا النوع المميز القيم القادر على الطي وغيره، لذا فهذا البائع لديه منافسة واحتكار في ذات الوقت، فهو منافس لأن باقي البائعين يبيعون المساطر، ولكنه في ذات الوقت محتكر لأنه الوحيد الذي يبيع هذا النوع بالذات، فهذا النوع من الإنتاج يسمى المنافسة الاحتكارية، وهو أسوأ قليلا من المنافسة المثالية، ففي حالة المنافسة المثالية يبيع الجميع المنتج ذاته مما يحثهم على المنافسة.
3)احتكار القلة Oligopoly
أنوه إلى أن للإنتاج درجة أخرى تسمى احتكار القلة، وهو الدرجة الثالثة، من المعقد تجسيدها في قصة، لكن يمكن تعريفها بأن تكون السلعة نفسها موجودة لدى عدة بائعين مما قد يجعلها قريبة للمنافسة المثالية، لكن البائعين الموفرين للسلعة قليلون، فكل بائع يدرك كل تحركات المنافس وكل تجديد يفعله. احتكار القلة له توابعه ونتائجه التي لا نريد التحدث عنها في هذا المقال.
4)الاحتكار Monopoly
الآن تريد عزة أن تتخيل وجود احتكار تام للسلعة، وهو الدرجة الرابعة للإنتاج، ماذا قد يحدث في هذه الحالة؟ ستكون القصة كالآتي:
أرادت عزة أن تستعمل المسطرة في بعض الرسومات، ولكن ليس لديها مسطرة، فارتدت خمارها وخرجت تسعى إلى محل القرطاسية لتشتري واحدة،
-"أتعبتني أيها المؤلف، كم مرة سأشتري مسطرة؟!"
="اصبري سيدتي عزة، هذه آخرمرة."
وبعد أن قطعت المشوار وصلت للقرطاسية ووجدت مسطرة من نوع عادي جدا، وهي تعلم أنها تباع بثلاثة جنيهات، فسألت البائع "أتبيع لي هذه بثلاثة جنيهات؟"
رد البائع: "بل ثمنها عشرة جنيهات."
-"ماذا، كيف ذلك؟!"
="إن لم يعجبك هذا السعر فاذهبي واشتري مسطرة من أي مكان آخر."
المشكلة أن هذا البائع قد احتكر بيع المساطر في البلدة كلها، ولن تجد هذا المنتج أبدا ولا حتى نوعا شبيها في أي مكان آخر، فاضطرت لشراء المسطرة بعشرة جنيهات كما أراد البائع.
وهذا ما يسمى الاحتكار التام وهو الأسوأ، وهو يعني أن المنتج أو البائع هو الموفر الوحيد للسلعة، ولا توجد أي سلعة أخرى مشابهة أو مؤدية لنفس الغرض لدى أي بائع آخر، فالبائع لم يحتكر بيع نوع واحد من المساطر بل احتكر المساطر كلها..
في هذا النوع من الإنتاج يكون البائع مستغلا، فيرفع السعر كما يريد دون خوف من عدم رضا المشتري، فإن هو لم يرض فمن أين سيأتي بالسلعة؟
في الواقع كل درجة من درجات الإنتاج (المنافسة المثالية-المنافسة الاحتكارية-احتكار القلة-الاحتكار التام) هو فصل كامل في كتب علم الاقتصاد، لكني لم أكتب هذه المقدمة إلا للتعريف بآخر نوع، وهو الاحتكار التام. سأتحدث بإذن الله عن الاحتكار التام بتفصيل أكثر في الجزء الثاني، وشكرا على القراءة.
اقرأ الجزء الثاني >>
اقرأ الجزء الثاني >>
التعليقات:
إرسال تعليق
هنا أنت الكاتب، قل ما تريد، كن مهذبا