كيف نستنتج استنتاجا صحيحا ونربط بين السبب والنتيجة؟



في مقال سابق، تحدثت عن المغالطات التي قد تحدث عندما نربط ربطا خاطئا بين السبب والنتيجة، ثم ختمت باستنتاج ادعيت أنه صحيح، إذًا لماذا استنتجت ذلك؟ كيف نستطيع -بطريقة سليمة- أن نصنع ترابطا؟ إليكم:

بدايةً إذا كان هناك علاقة سببية بين شيئين، فحتما يوجد علاقة ترابطية بينهما. مثلا: السمنة مضرة للصحة، أي أن هناك علاقة سببية بين السمنة وتدهور الصحة، وسنجد أيضا علاقة ترابطية بين السمنة وتدهور الصحة، فكلما زاد أحدهما زاد الآخر.


أما وجود علاقة ترابطية لا يؤكد وجود علاقة سببية، كما في المقال السابق، كان هناك علاقة ترابطية بين مبيعات المثلجات ووفيات الغرق، بدون وجود علاقة سببية بينهما.

اقرأ المقال السابق>>

أن نثبت وجود علاقة سببية بين شيئين هو أمر -كما سنرى- متعب وصعب، لذا قبل أن نحاول إثبات علاقة سببية بين شيئين علينا أولا أن نثبت وجود ترابط بينهما، وبعد إثبات وجود ترابط نضع الفرضية، ندرس السبب بالتجارب المضبوطة.

ما الفرضية؟

هي تفسير محتمل لأحد الترابطات، ليس تفسيرا مؤكدا لكننا نتحقق منه بالتجربة، مثلا: نحن نرى ظاهرة أن الزرع ينمو عند سقوط المطر على الأرض، فنضع فرضية أن الماء يسبب نمو الزرع، ثم نقوم بالتجربة المضبوطة للتحقق من صحة الفرضية.

ما التجربة المضبوطة؟

هي التجربة التي نثبت فيها جميع العوامل في حالتين، ما عدا عاملا واحدا هو موضع الدراسة،  ثم نرى تأثير هذا العامل، مربك! أليس كذلك؟ إليك هذا المثال لعله يوضح الأمر:
لنتخيل مثلا أننا نريد أن نتحقق من الفرضية السابقة وأن نعلم ما إذا كان سقاية الزرع أحد أسباب نمو الزرع، وبدون السقاية لن ينمو الزرع، ماذا نفعل لنثبت ذلك؟
سنأتي بوعاءين، فيهما تربة من نفس الصفات تماما، ونزرع فيهما بذورا متماثلة، ثم نسقي أحد الوعاءين ونترك الآخر بدون سقاية، وندعهما في نفس ظروف الجو ونفس ظروف التعرض للشمس، ثم لنرَ ما سيحدث.
بعد الانتظام على سقاية أحد الوعائين بالماء لمدة مناسبة، وجدنا أن البذور التي في الوعاء الذي سقيناه نمت وكونت ساقا وأوراقا، أما في الوعاء الآخر وجدنا النبات لم ينْمُ وبقى كما هو، إذا نستنتج من هذه التجربة أن الماء "أحد" أسباب نمو الزرع.


لنفترض أننا قمنا بنفس التجربة، ولكن كان أحد الوعاءين في الهواء الطلق، والآخر داخل المنزل، وسقينا الوعاء الذي في الهواء، فنما الزرع الذي في الهواء الطلق، حينها هل نستطيع أن نستنتج أن الماء سبب لنمو هذا الزرع؟ بالطبع لا! حينها لدينا عاملين مختلفين لا ندري أيهما هو السبب: الأول هو الجو الذي بقي فيه الوعاء، والثاني هو الماء. لا نستطيع أن نحدد أيهما سبب نمو الزرع، ربما أحدهما، ربما كلاهما، لا ندري! هذه التجربة لا تلبي المطلوب ولا تعطينا النتيجة المطلوبة.


على الوعاءين إذًا أن يكونا في نفس الظروف حتى نعلم السبب المحدد لنمو الزرع.
الخلاصة هي أننا نحتاج لتثبيت جميع العوامل بين حالتين عدا العامل الذي ندرسه، حتى نستنتج تأثير هذا العامل على الحالة.


بعد أن استنتجنا أن الماء سبب لنمو الزرع، علينا أن نعلم التسلسل أو الآلية التي تجعل الماء سببا لنمو الزرع، لمَ الماء ضروري لنموه؟ ما العمليات الحيوية التي تتطلب الماء؟ وهذا النوع من الدراسة هو الأصعب ويحتاج العلماء المتخصصين، ويعتمد على التجربة وإيجاد الحقائق العلمية، وفيها يظهر إبداع العالم.
وبعد أن اكتشفنا الآلية التي تجعل الماء ضروريا لنمو هذا النبات، نستطيع أن نتنبأ بالنباتات الأخرى التي تحتاج الماء كسبب رئيس للحياة، والفائدة الأعظم من العلوم هي القدرة على التنبؤ.


ثم نستعمل تلك المعلومات الجديدة لوضع فرضيات أخرى والقيام بدراسة جديدة، وتدور المسيرة العلمية مجددا لإنتاج المزيد والمزيد من المعلومات والنتائج.

أو ربما بدون بثبيت العوامل...

يمكن صناعة تجربة مضبوطة بدون تثبيت العوامل، وذلك بدراسة عدد ضخم من الحالات المشتركة في عامل واحد، وعدد ضخم يفتقد تماما هذا العامل. مربك أيضا! إليك هذا المثال:
نريد أن نجرب فعالية دواء معين في علاج سرطان الرئة، فجئنا بألفَيْ فأر مصاب بسرطان الرئة، وقسمناهم إلى مجموعتين، في كل مجموعة ألف فأر، أحد المجوعتين أعطيناها الدواء يوميا، والمجموعة الأخرى أعطيناها دواء وهميا ليس له أي تأثير.

شفيت المجموعة التي تناولت الدواء الجديد، أما المجموعة الأخرى فلم تشفَ، ماذا نستنتج؟
يبدو أن الدواء فعال لعلاج سرطان الرئة على الفئران، ونحتاج لمزيد من العمليات لنختبر فعاليته على الإنسان.

(ملحوظة: كلما زادت عدد الفئران التي ندرسها زادت دقة الدراسة من هذا النوع)
ولكننا استنتجنا ذلك بدون تثبيت العوامل، بدلا من ذلك جعلنا الشيء الوحيد الذي يجمع بين أعضاء المجموعة هو الدواء، فإذا شفيت كل المجموعة فاحتمال أن يكون الدواء هو السبب احتمال كبير جدا، لأنه الشيء الوحيد الذي يفعله كل أعضاء المجموعة.

في هذا النوع من التجارب يجب أن يكون العامل الوحيد المشترك بين أعضاء المجموعة هو الدواء الجديد، ماذا إن كان أعضاء المجموعة الأولى يأكلون نفس نوع الطعام وأعضاء المجموعة الأخرى -التي لم تشفَ- تأكل نوعا آخر؟ حنها لا نعلم هل السبب هو الدواء أم الطعام، ولن تعطينا هذه التجربة النتيجة المطلوبة. 


ولكن ماذا إذا أعطينا نفس نوع الطعام إلى المجموعتين فشفيت أحد المجموعتين فقط؟ حينها نعلم أن الطعام ليس له تأثير، فلو كان له تأثير لشفيت المجموعتين.

نستنتج: الصفات التي تجمع بين أعضاء المجموعتين (مثل الطعام) يجب أن تكون كثيرة قدر الإمكان حتى نتأكد من أنه ليس لها أي تأثير، أما الصفات التي تجمع بين أعضاء مجموعة واحدة فقط 
(مثل أخذ الدواء أو عدمه) يجب أن تكون صفة واحدة لا غير، فهي التي ندرس تأثيرها على المجموعة.

لماذا نعطي الدواء الوهمي؟ حتى نجعل المجموعتين متشابهتين قدر المستطاع، فربما السبب في شفاء أحد المجموعات هو عملية ابتلاع الدواء فقط، أو ربما الانتظام في تناوله هو السبب، بهذا نكون قد ثبتنا هذا العامل.


ماذا إن شفيت المجموعتان؟ حينها نستنتج أن السبب هو أحد الصفات التي تشترك فيها العينة كلها، وليس للدواء تأثير.


كان هذا كل شيء، وشكرا على القراءة.

التعليقات:

إرسال تعليق

هنا أنت الكاتب، قل ما تريد، كن مهذبا

يُشَغَّلُ من Blogger

تصميم الورشة مع تعديل وتطوير مني