الاستنتاج الخاطئ في الربط بين السبب والنتيجة، ليست الأمور كما تبدو عليها!

عزيزي القارئ، هل أكل المثلجات يسبب زيادة في معدل حوادث الغرق في البحار؟ أخمن أنك تجيب "بالطبع لا! وما العلاقة؟!" 
جيد جدا! إجابتك صحيحة نوعا ما، ولكن دعني أفاجئك أنك تقع كثيرا في أخطاء مثل هذه! لنترك هذا السؤال قليلا، ولنحدث عن العلاقة السببية والعلاقة الترابطية. من المهم جدا أن نعلم الفرق بينهما.

العلاقة السببية

العلاقة السببية بين حدثين تعني أن أحد الحدثين مسبب للحدث الثاني، أي: إذا لم يحدث الأول لن يحدث الثاني.
إذا تخيلنا مثلا حسام، حسام طالب في الابتدائية، حسام ذاكر بجد (الحدث الأول)، حسام نجح في امتحاناته (الحدث الثاني)، إذا مذاكرة حسام هي السبب في تميزه، فهناك علاقة سببية بين المذاكرة والنجاح.
 لكن الأمر لا يكون بهذه السهولة بالنسبة للعلم،    أن تقول "هذا يسبب هذا" في العلم صعب جدا،    إذ إن تحديد السبب وراء ظاهرة علمية يكون أعقد بكثير، والأسلوب الذي اتبعناه في الربط بين المذاكرة والنجاح- أسلوب غير مقبول في العلم.

السبب من الأشياء المهمة التي يبحث عنها العلم، فكيف لك أن تعالج مرضا مثلا أو تمنعه بدون معرفة السبب؟

العلاقة الترابطية

"كلما قرأت أكثر تعلمت أكثر." نقول هنا أن هناك علاقة ما بين الشيئين، فالأول كلما زاد.. زاد الثاني، وهذه علاقة طردية.
"كلما قل الطعام زاد الجوع." هنا أيضا توجد علاقة ترابطية، ولكنها  علاقة عكسية، فكلما قل الأول.. زاد الثاني.
إذًا: إذا لاحظنا وجود علاقة ترابطية بين شيئين، "فربما" يكون أحدهما سببا للآخر.
ولكن في كثير من الأحيان يخطئ الناس تحديد السبب، أو الخلط بين الترابط والسببية، وإليك بعض الأخطاء الشائعة التي قد تحدث في الربط. 

الخطأ الأول: السببية المعكوسة

الأول هو سبب الثاني، ولكننا جعلنا الثاني سبب الأول، إليك هذا المثال:
ينير المصباح عند زيادة إضاءة الغرفة، إذًا زيادة إضاءة الغرفة هي سبب إنارة المصباح.
 هنا قد اختلط الأمر، فمن المعروف أن إنارة المصباح هي سبب إضاءة الغرفة، ولكننا عكسنا الأمر فجعلنا إضاءة الغرفة سبب إنارة المصباح. إليك مثال آخر:
الأطفال الذين يشاهدون التلفاز كثيرا يميلون غالبا للعنف! إذا مشاهدة التلفاز تجعلهم عنيفين.
 ليس هذا الاستنتاج بالضرورة صحيحا، ربما الأطفال العنيفون هم من يميلون لمشاهدة التلفاز كثيرا، فيكون العنف هو سبب الترابط وليس العكس. نحتاج لمزيد من العمليات لتحديد السبب بطريقة علمية، ولست بصدد الحديث عنها.

الخطأ الثاني: السبب من طرف ثالث

سبب حدوث الترابط بين الشيئين هو أن هناك شيء ثالث يسببهما معا، إليك هذا المثال: 
أتذكر سؤال المثلجات؟ لنرجع إليه، ولنفترض أن أحد الباحثين قد لاحظ الآتي:

 كلما زادت مبيعات المثلجات في أحد البدان، زادت معدلات وفيات الغرق في البحار! إذا يبدو أن أكل المثلجات هو سبب الغرق، وعلينا منع المثلجات حتى نقلل من معدل الغرق.
بالطبع هذا الاستنتاج ساذج وليس منطقيا، السبب في وجد علاقة بين المثلجات والغرق هو أن حلول الصيف يسبب زيادة في كل منهما، مع حلول الصيف، تزيد مبيعات المثلجات، وتزيد رحلات التصييف فتزيد وفيات الغرق. إذا يوجد طرف ثالث يسببهما معا، ولكنا ربطنا بينهما بعلاقة سببية، مع أن العلاقة ترابطية فقط.

الخطأ الثالث: صدفة!

تحدثتُ عن الأفعى، ثم رأيت أفعى! التفكير في الأفعى يسبب ظهوره. 
بالطبع هذا من أكثر الأخطاء سذاجة، ففي الأخطاء السابقة كانت هناك علاقة ترابطية بين الشيئين حولناها لسببية، أما في هذه الحالة فلا توجد أي علاقة أصلا بين التحدث عن الأفعى وظهوره، وهذا الخطأ يسبب ظهور أكثر الخرافات مثل "العدد 13 سيء الحظ".

الخطأ الرابع: أي شيء يمنع السيء يجلب الجيد

أثبتت دراسة إحصائية أن نسب الانتحار بين المسلمين هي الأقل بين جميع معتنقي باقي الديانات، إذًا المسلمون هم الأكثر سعادة ورضا
بالطبع يكون القائل قد أخطأ، قلة معدلات الانتحار بين المسلمين لا تدل قطعا على نسبة سعادة أكبر، ربما يكون ذلك صحيحا وربما لا، ربما يكون السبب هو أن الانتحار محرم تحريما غليظا في الإسلام والمنتحر له وعيد شديد، وهذا يقلل من نسب الانتحار عند المسلمين، ولا يمكن أن نجزم أن هذه الدراسة تثبت سعادة المسلمين أكثر من غيرهم، وعموما فإن قلة معدل الانتحار -بالطبع- ميزة جيدة أيا كان سببها.


هذه ليست كل الأخطاء، ولكنها الأكثر شيوعا.

ما الهدف من المقال؟ كل ما أريد أن أوصله في هذا المقال هو أن الأمور ليست كما تبدو عليها في غالب الأمر، وتحديد العلاقات والروابط والأسباب أمر ليس سهلا، وقد تنخدع بسهولة، وإليك هذه التدريبات لتعزز قدرتك على التفكير النقدي.

ملاحظة: الدراسات المذكورة في هذه التدريبات ليست حقيقية بل من وحي خيالي!

تدريب (1):

في دراسة إحصائية: وجد أن إصابات العظام أقل بين المدخنين، إذًا إن التدخين يسبب تقوية العظام

ما الخطأ في هذا الاستنتاج؟ فكر قبل قراءة الإجابة.

.
.
.
.
.
.
.
الإجابة:
المدخنون أقل عرضة لممارسة الرياضة بسبب الرئة غير الصحية، مما يجعل الرياضة أصعب بالنسبة لهم، هذا يجعلهم أقل عرضة لإصابات العظام من أولئك الرياضيين الذين لا يكونون مدخنين، فتحدث لهم إصابات. هذا لا يثبت بتاتا أن التدخين يسبب تقوية العظام.

تدريب (2):


في دراسة إحصائية أجريت على مجموعة كبيرة من المحبطين المصابين بالكآبة والحزن، كان المدخنون يمثلون أغلب العينة، مما يؤكد أن التدخين يسبب الكآبة.

ما الخطأ في هذا الاستنتاج؟
.

.

.

.

.

.

.

الإجابة: 

وقع المستنتج في خطأ السببية المعكوسة، فجعل التدخين سببا للإحباط، مع أن الإحباط هو سبب التدخين. المصاب بالكآبة يميل للتدخين هربا من همومه وليس العكس.

الآن قد أخذك الحماس! إليك السؤال الثالث.

تدريب (3): 


في دراسة أجريت على مجموعة كبيرة من الأشخاص المصابين بسرطان الرئة، لتجربة دواء جديد مقترح لسرطان الرئة، قُسمت المجموعة الكبيرة إلى فريقين، أحد الفريقين أُعْطِيَ الدواء الجديد يوميا، والفريق الثاني أعطي دواء وهميا (ليس له أي تأثير). بعد شهرين: شفي الفريق الأول من سرطان الرئة، ولم يشفَ الفريق الثاني، إذًا الدواء الجديد فعال في علاج سرطان الرئة.

ما الخطأ في هذا الاستنتاج؟
.
.

.
.
.
.
.
الإجابة: 
الاستنتاج سليم وصحيح :) لا تحاول انتقاد كل شيء غصبا لأنه قد يوصلك لانتقاد غير سليم.
معلومة جانبية: لا تجرى الدراسات هكذا على البشر، لأن البشر ليسوا فئران تجارب، ولكن الدراسة من وحي خيالي كما قلت.

الخلاصة

ليس كل شيء كما يبدو عليه! عندما تقرأ عن دراسة أو بحث عليك دائما أن تنتقد البحث وأن تكتشف العوامل التي قد تسبب ضعف البحث أو عدم دقته. يجب أن يكون لك حس نقدي لأي قول من أي شخص. عليك أن تتحرى الاستنتاج الصحيح الدقيق في المسيرة العلمية.
إذًا كيف نستطيع أن نصنع استنتاجا صحيحا؟ هذا في المقال القادم.
كان هذا كل شيء، وشكرا.

التعليقات:

إرسال تعليق

هنا أنت الكاتب، قل ما تريد، كن مهذبا

يُشَغَّلُ من Blogger

تصميم الورشة مع تعديل وتطوير مني