شروط البيع والشراء في الإسلام وآدابه (2): الآداب والوصايا من القرآن والسنة.


هذا هو الجزء الثاني من المقال.
<< اقرأ الجزء الأول

 تكلمنا في المقال السابق عن الشروط والأركان، هنا -بإذن الله- نتحدث عن بعض الآداب من القرآن والحديث.


1- من القرآن

حذرنا الله -عز وجل- من التطفيف في الميزان تحذيرا غليظا، ففيه أكل لحقوق الناس وأموالهم، لذا فهو مفسدة عظيمة، وهو نوع من الغش، وفيه طغيان من الخيانة على الأمانة، ففي سورة المطففين نجد:


وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلَا يَظُنُّ أُولَـئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦) 

نجد هنا الوعيد والشديد من الله -عز وجل- للمطففين، لذا على البائع أن يتقي الله في حقوق الناس وألا يأكل أموالهم بالباطل.
وأيضا أرسل شعيب إلى قومه، وكان من صفاتهم تطفيف الكيل وإنقاص حقوق الناس عند البيع، فأوصاهم بداية بعبادة الله الواحد، قال -تعالى-[سورة الشعراء - 177: 180]
إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ  إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)
ثم أمرهم بعدها مباشرة بإيفاء الحقوق لإصحابها، قال -تعالى-: [سورة الشعراء- 180:183]
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
ذلك لما فيه من مفسدة عظيمة للدين والأمة، فدعاهم لعبادة الله الواحد، قم دعاهم مباشرة إلى إيفاء الكيل وإعطاء الحقوق كاملة لأصحابها، مما دل على عظم ذلك الأمر عند الله.

2- من الحديث


ترك رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- لنا ميراثا عظيما نقتدي به ونتبعه وهي سنته، فيها هدانا ونورنا، ولم يخلُ هذا النور من أوامر بشأن البيع والشراء.
هنا جمعت بعض الأحاديث التي قيلت عن آداب البيع في الإسلام، هي ليست كلها بالطبع، ولكني جمعت ما تيسر عليَّ جمعه.


1- النهي عن الغش 

والغش هو الخداع والحيلة، فمثلا أن يخدع البائع المشتري بكلام وهمي عن سلعته، أو أن يخبئ بها عيبا أو يكتمه، أو أن يبيع له سلعة فاسدة بالخداع، أو حتى التطفيف الذي تحدثنا عنه، هذا كله يندرج تحت الغش، وقد نهى الرسول -عليه الصلاة والسلام- عن الغش وذم الغشاش ذما، ففي صحيح مسلم نجد:
عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟"، قال: "أصابته السماء (المطر) يا رسول الله"، قال: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس مني" رواه مسلم .
ففي الحديث، استنكر الرسول غش أحد البائعين، فقد أدخل يده في الطعام فوجد ما يدل على ابتلاله، مع أنه من الخارج لا يظهر ذلك، فعاتب صاحب الطعام، فرد قائلا إن المطر قد أصابه، فأمره الرسول أن يكون هذا العيب ظاهرا للناس، لأن من غشنا فليس منا.

وليس مني: أي ليس متبعا لسنتي وترك التمسك بأوامري، وفي ذلك دليل على تحريم الغش، فهو مفسدة عظيمة، وكتمان عيب السلعة أو تخبيئها يعد من الغش كما رأينا في الحديث، وقد قال الرسول -عليه الصلاة والسلام- أيضا:

" المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا فيه عيب إلا بينه له." رواه ابن ماجة
وفي هذا تأكيد لذم وتحريم الغش.
وليس البائع فقط مأمورا بعدم الغش وترك الكذب، بل إن المشتري أيضا مأمور بذلك، فربما يخدع المشتري البائع قائلا أن ليس عنده المال الكافي، أو أنه سيستعمل الأرض لبناء مسجد فيجعل البائع يرخص سعره ثم لا يفعل ذلك، فهذا من غش المشتري، فقد قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-:

"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما."متفق عليه.
فحث كلا المشتري والبائع على الصدق حتى يبارك في بيعهما، وذم الكذب وجعل فيه محقًا لبيعهما.

2- السماحة يا كريم!

 فقد حثنا رسولنا على السماحة في البيع والشراء، فيطلب المسلم حقه بسماحة وسهولة ولطف ويسر، سواء البائع أو المشتري، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-:
"رحم الله عبداً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى." رواه البخاري
وسمحا: أي سهلا، والسماحة هي المساهلة، فهي من أخلاق المسلم الحميدة التي يعتز بها.
وقد تحدثت في مقال سابق عن التغافل، ويمكننا أن نعد التغافل من السماحة، فالتغافل عن الأخطاء البسيطة احتسابا للأجر عند الله هو من الأخلاق العظيمة للمسلم، وعليه أن يتحلى بها.

3-حبب في الإقالة

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.حديث صحيح، رواه أبو داود، وابن ماجه.
والإقالة هي أن يقبل فسخ البيع، إذا وجد المشتري عيبا مثلا أو غير رأيه، أو أن البائع قد غير رأيه ولا يريد البيع، 
الإقالة لازمة وواجبة على البائع إذا غش وعليه أن يفسخ البيع إذا أراد المشتري ذلك، أما ما دون ذلك فهي مستحبة، ومن يقِلْ المسلم بيعه فإن له وعدا بإزالة عثرته وضيقة والعفو عنه يوم القيامة، وما أحوجنا لعفو الله ومغفرته يوم القيامة؟! لذا فهي من الأشياء المستحبة عند البيع التي يجب أن نتبعها قدر المستطاع.
-------------------
وأختم بإن الإسلام قد وضع لنا الشروط والأوامر والنواهي والوصايا، والتي لو اتبعناها لكنا أكثر الأمم رقيا وتحضرا.
هذا ما يسر الله لي جمعه، فإن كان لديك إضافة فأفدنا في التعليقات، وشكرا.




التعليقات:

إرسال تعليق

هنا أنت الكاتب، قل ما تريد، كن مهذبا

يُشَغَّلُ من Blogger

تصميم الورشة مع تعديل وتطوير مني