صياغة النقد الجيد والتعامل معه



حسنا.. لقد هجرت فرع إحياء الخلق فترة طويلة جدا، وذلك لأني كنت أرى أنه توجد مواضيع أخرى أكثر تشويقا، حسنا لنكسر هذا الهجر الطويل بهذا المقال الصغير.
يقال "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه."، لكن المشكلة هي أن المرء لا يعلم قدر نفسه في غالب الأحيان، المرء يقدر نفسه أكبر مما هي عليه..
وهنا يأتي دور النقد، النقد الذي يكشف العيوب ويزيل الستار. ذلك النقد الذي يريك ما لم تكن تراه في نفسك. هو النقد الذي إذا لم يعطك أحدهم حظك منه ظللت تعيش في وهم ولم تتقدم خطوة واحدة للأمام..
انتقدني، واجهني بعيوب عملي، لا تجاملني، علمني لا تجهلني، صف لي الواقع لا الوهم ودعني أعيشه، انتقدني فذلك هذا يعينني على أن أحسن نفسي!
وفي هذا الجو المسالم الجميل يأتي ذلك الشرير: المجاملة! أما المجاملة فهي المحتال الشرير المكار الذي يخبئ العيوب، يلونها ويزينها حتى تصير غير مرئية، يجعلك تعيش موهوما بنفسك.
المشكلة أن أغلبنا يقدس المجاملة ويكره النقد، يحب أن يقول له أصدقاؤه "مرحى!" و"أحسنت!"، وكلمات مدغدغة مثل "رائع!" و"مدهش!". هي كلمات جميلة جدا، أنا لا أختلف معك في هذا، لكنها -في غالب الأمر- كاذبة! انتبه منها، لقد حذرتك!
هذا المقال مكون من جزءين:
1)الجزء الأول: كيف تصوغ نقدا جيدا؟
2)الجزء الثاني: كيف تتعامل مع النقد؟

الجزء الأول: كيف تصوغ نقدا جيدا؟

إذًا.. رأيت صديقك يقدم عملا فنيا، وتريد له أن يتحسن. أجمل هدية تقدمها له هي نقد يبين له عيوب عمله، ولكن احذر! أنصت إلي جيدا! إني جربت وجربت مرارا، ليس كل نقد يقبل، ليس كل نقد يحسن الظن به، لقد حذرتك! إليك نصائح تساعد في أن يقكون نقدك مقبولا:
1) ابدأ  إيجابيا، ابدأ بما أعجبك.
البدء بالنقاط الإيجابية خطوة مهمة في جعل النقد مستساغا، ابدأ بتعديد النقاط التي أعجبتك في العمل، ليس بالضرورة أن تكون تلك النقاط مثالية أو بلا عيوب، يكفي أن تكون راقت لك فحسب.
2) اذكر نقدك من منظور شخصي.
مما سيضفي على نقدك الكثير من التواضع جعله من منظور شخصي. لا تقل "ترتيب الفكر في المقال ليس صحيحا." لأنك هكذا تجعلها من منظور عام، قل بدلا من ذلك "أرى أن ترتيب الفكر في المقال ليس صحيحا.". هكذا أنت تجعل نقدك من وجهة نظرك فحسب، هذا يجعلك متواضعا وفي ذات الوقت يجعل النقد أكثر قبولا.
3) كن محددا في نقدك لا عاما.
لا تقل أبدا "أرى أن القصة سيئة."، هذا نقد عام جدا، لن يستفديد منه المتلقي أبدا، كن محددا، انتقد نقطة معينة محددة حتى يتمكن المتلقي من إصلاح الأمور. مثال النقد المحدد : "أرى أن أحداث القصة متوقعة جدا."
4) قدم اقتراحاتك للمتلقي، ساعده لكي يحسن تلك العيوب.
لقد أظهرت له عيوبه وهو الآن محتار، لا تتركه وحده! قدم له اقتراحاتك، اذكر له ما ترى أنه كان يجب أن يحدث. لتقدم الاقتراحات بتواضع لديك طريقتان: إما جعلها من منظور شخصي أو جعلها على شكل سؤال.
مثال للمنظور الشخصي: "أرى أن أحداث القصة متوقعة جدا. من رأيي يجب إضافة المزيد من المفاجآت والأحداث غير المتوقعة.".
مثال لشكل السؤال: "أرى أن أحداث القصة متوقعة جدا. هل فكرت في إضافة المزيد من المفاجآت والأحداث غير المتوقعة؟".

هل اتبعت كل القواعد تلك؟ لا زال النقد حادا! لا أحد يحب عيوبه، لكن هذه الخطوات ستجعله أكثر قبولا. هكذا أعطيتك خطوات أربعة تجعل نقدك مقبولا، تذكرها جيدا، فإن لم يقبل نقدك فأنت فعلت ما عليك.

الجزء الثاني: كيف تتعامل مع النقد؟

إذا.. جربت حظك في مجال فني، وصنعت عملا فنيا وها أنت تعرضه لأصدقائك على موقع تواصل اجتماعي، الكل مذهول ومعجب بما صنعت، يا للهول يبدو أنك موهوب!
وإذ بذلك الصديق المزعج المشمئز، يقول أنه لم يعجبه عملك ويذكر عيوبا فيه.. حسنا قبل أن تبدأ في إفراغ غضبك على ذلك الصديق إليك الدليل إلى التعامل مع النقد المكون من خطوة واحدة:
1) اشكره شكرا جزيلا!
أهدي باقة من الزهور لمن انتقدني.
نعم، صدقني، هذه هي الخطوة الوحيدة التي تفعلها، ألم تقتنع؟
ذلك الصديق لو لم يكن مهتما لما انتقد، فأنا لن أنتقدك إلا إذا كنت أريدك أن تتحسن. ألا يستحق ذلك شكرا جزيلا؟
ذلك الصديق سيساعدك على جعلك أفضل وأفضل كل مرة، ألا يستحق ذلك شكرا جزيلا؟
حتى لو لم يلتزم ذلك الصديق بأحد تلك الخطوات الأربعة، هذا الصديق نادر وسيساعدك كثيرا!  أما الصديق المجامل فيوجد منه الكثير ولن يفيدك بشيء لأنه كذاب. لا تخسر الصديق المصارح بكلمة منك غير حكيمة ولا ضرورية.  اشكره شكرا جزيلا!
أحد مشكلات مجتمعنا أن المنتقد هو ذلك الغريب المكروه، "الخروف الأسود". حتى تقول نقدا دون أن تهاجَم عليك أن تخلط هذا النقد بعشرين مدح! هذه ليست عادة جيدة، نحن نحتاج إلى نمو النقد وتشجيعه لنكون أفضل فيما نفعله. نحتاج إلى تشجيعه حتى لو لم نكن ننوي الاستمرار في ذلك المجال.
-من مقال من موقع باللغة الإنجليزية لا أذكر اسمه

هل سمعت بمقولات مثل "ثق بنفسك ولا تهتم بما يقوله الآخرون عنك." أو "ستكون ناجحا إذا اعتقدت بصدق أنك ناجح."، أتعرف تلك العبارات الجميلة التي يقولونها في دورات التنمية البشرية؟ انسها! امحها من ذاكرتك! هذه أسوأ حكم قيلت على مر التاريخ! عبارات مثل هذه تصنع النرجسيين، تصنع غير الأكفاء الواثقين في أنفسهم الفاتنين الناس بسحرهم الكاذب. للمزيد اقرأ هنا.

إن كان لك رأيا مخالفا اذكره لي في التعليقات وسأكون سعيدا بذلك.
شكرا جزيلا على القراءة.

التعليقات:

إرسال تعليق

هنا أنت الكاتب، قل ما تريد، كن مهذبا

يُشَغَّلُ من Blogger

تصميم الورشة مع تعديل وتطوير مني