حسين -هداه الله- لا يزال يقرأ عن الأبراج ويصدقها ويؤمن بها، المهم أنه قرأ البارحة أن حظه اليوم سيكون سيئا للأسف، فتناول إفطاره وذهب للعمل، خرج خائفا ينتظر ويترقب ما سيحدث له من سوء وأذى، وإذ به يعبر الطريق وفجأة.. لم ينتبه إلى أن هناك سيارة آتية نحوه بسرعة عالية، تأتي سيارة أمامه مباشرة وتكاد تصدمه وتقتله، يحاول الابتعاد ويفلح ولكن يجد أن السيارة قد مرت على بعض الطين مما نثره في كل مكان وجعل ملابسه تتلطخ بهذا الطين للأسف.
يقول حسين: "نعم لقد كانت الأبراج على حق.. هذا ما توقعوه بالضبط، سيكون حظي سيئا اليوم!"
------------------
بغض النظر عما حدث لحسين باقي اليوم.. لنحلل ما وقع لحسين ونحلل ما وقع فيه من خطأ، في هذا المقال أريد أن أحدثكم عن شيء ما في علم النفس يسمونه النبوءة المحققة لذاتها أو self-fulfilling prophecy.النبوءة المحققة لذاتها بكل اختصار: هي نبوءة عن شيء ما، تؤثر في هذا الشيء بطريقة ما فتحقق نفسها!
فهي تحقق بسبب قولها لا بسبب أنها مبنية على علم أو حكمة، تقال فتؤثر في الناس الذين يسمعونها ويكون هذا التأثير كافيا لتحقيق النبوءة المقولة.
إليكم التوضيح:
في قصة حسين، كانت نبوءة الأبراج نبوءة محققة لذاتها، لأنه توقع أن يومه سيكون سيء الحظ، مما جعله يبحث بطبيعته عما هو سيء في يومه، فإن حدث شيء جيد فلن ينتبه له، وإن حدث شيء سيء فسينتبه إليه ويضخمه ويربطه بالتنبؤ الذي قام به المنجم، ولتوضيح ذلك لنعد صياغة القصة ولكن هذه المرة ستقول له الأبراج أن يومه سعيد الحظ.
حسين -هداه الله- لا يزال يقرأ عن الأبراج ويصدقها ويؤمن بها، المهم أنه قرأ البارحة أن حظه اليوم سيكون رائعا، فتناول إفطاره وذهب للعمل، خرج سعيدا متحمسا ينتظر ما سيكون له من نصيب وحظ، وإذ به يعبر الطريق وفجأة.. لم ينتبه إلى أن هناك سيارة آتية نحوه بسرعة عالية، تأتي سيارة أمامه مباشرة وتكاد تصدمه وتقتله، يبتعد بسرعة ويفلح في النجاة من هذا الموقف المهلك، ربما تلطخت ملابسه ببعض الطين ولكن لا يهم فهو قد نجا بحياته بأعجوبة! يقول حسين: "نعم لقد كانت الأبراج على حق.. هذا ما توقعوه بالضبط، سيكون حظي رائعا اليوم، لقد نجوت من حتف مميت!"
عندما قرأ أن يومه سيكون سيء الحظ جعله ذلك يركز على الطين الذي لطخ ثيابه، وعندما قرأ أن يومه سعيد الحظ جعله ذلك يركز على أنه نجا من حتف مميت!
حينها تكون النبوءة قد أثرت على حسين..فحققت نفسها! وهذه هي النبوءة المحققة لذاتها.
وإليك مثال آخر عليها: تخيل أن لاعبين يريدان لعب كرة القدم، فأعطينا لكل منهما حذاءين، أحدهما أخبرناه أن حذاءه سعيد الحظ، والآخر أخبرناه أن حذاءه سيء الحظ.. مع أنهما متماثلان!
ذلك الذي أعطيناه الحذاء "سعيد الحظ" سيكون أداؤه أفضل وأقوى من ذلك الذي يظن نفسه "سيء الحظ" فالأداء سيتأثر بما قلناه لهم في البداية فنحن جعلنا أحدهم واثقا في نفسه والآخر متوترا، حينها تكون نبوءتنا قد حققت نفسها.
إن كنت تظن -أيها القارئ- أن هذا هراء فأرجو منك أن تراجع هذا المرجع وتتأكد بنفسك، فالعلماء وجدوا علاقة بين اعتقاد الشخص أن ما يستعمله فيه حظ جيد وبين أداء الشخص نفسه، فإن كنت تظن مثلا أن المضرب الذي تلعب به التنس هو المضرب المحظوظ فقد ينعكس ذلك على أدائك.
قد تظن أيها أن النبوءة المحققة لذاتها يقتصر تأثيرها على جعلك تركز لتحقيق النبوءة، ولكن النبوءة لها تأثير أكبر بكثير، وإليك أفضل ما قد يثبتها، إنها دراسة روزينتال-جاكسبون Rosenthal–Jacobson study، والتي استخدمت لاكتشاف تأثير سموه تأثير بجماليون Pygmalion effect.
ما حدث في تجربة روزينتال-جاكسبون هو الآتي: في بداية السنة الدراسية في أحد المدارس الابتدائية بسنغافورة، أجرى جميع الطلاب اختبار نسبة الذكاء، وبعد الحصول على النتائج أخفيت تلك النتائج عن المعلمين.. ولكن..
اختار الدارسان 20% من الطلاب عشوائيا، لم تكن نسبة ذكائهم -حسب الاختبار- عالية أو مميزة عن باقي الطلاب، ولكن الدارسين أخبرا المعلمين بأسماء هؤلاء الطلاب وأخبروهم أن هؤلاء الطلاب هم من العباقرة الأذكياء حسب الاختبار، ثم تركوا السنة الدراسية تسير..
بعد انتهاء السنة الدراسية يجري طلاب من نفس مستوى نسبة الذكاء-اختبار الذكاء مجددا، والمفاجأة كانت هي أن الطلاب الذين اعتقدهم المعلمون أذكياء وعباقرة حسب زعم روزنتال وجاكسبون كانوا بالفعل أدوا أداءً أفضل من غيرهم في الاختبار!
مع أنهم قبل السنة الدراسية كانوا في نفس المستوى، صاروا مختلفين بعد انتهاء السنة بسبب اعتقاد المعلمين عنهم، وتعاملهم المبني على هذا الاعتقاد، فهي نبوءة قد حققت نفسها.
فالمعلم عندما يعتقد أن أحد الطلاب عبقري فمن الطبيعي أن يوليه اهتماما أكبر وأن يشجعه لأداء أفضل وأن يسامحه إذا أخطأ أو قصر. في هذه التجربة يظن المعلم أن توقعه عن الطالب صحيح وأن طريقته في التنبؤ صحيحة، ولكن ما يبدو لدينا ليس كذلك، بل إن مجرد توقع المعلم أن أحد الطلاب أذكياء هو الذي حقق له توقعه، وليس لأنه مثلا لديه قدرة متقنة على التوقع.يبدو أن هذا التأثير يظهر على صغار السن بشكل أوضح، وهذه التجربة تثبت التأثير القوي لاعتقاد المعلمين على أداء الطلاب.
هذا مرجع متقدم عن التجربة، ولكن يفضل قراءتها من وكيبيديا لأنها أسهل هناك، ها هو الرابط.
النبوءة المحققة لذاتها تم فيها الكثير من التجارب المثبتة لها، منها تجربة أخرى تمت على المدرسين هذه المرة، طلب من مجموعتين من المدرسين شرح بعض الدروس، أحد المجموعتين من المدرسين تعرضوا لمجموعة من الطلاب تصرفوا كأنهم غير مهتمين ولم تفاعلوا معه، وسميت مجموعة رد الفعل السلبي. بينما تعرضت المجموعة الأخرى من المدرسين لطلاب تصرفوا كأنهم مهتمون ومتشوقون للموضوع، وسميت مجموعة رد الفعل الإيجابي. بعد انتهاء التجربة تعرضوا لبعض الأسئلة حول فعاليتهم ورأيهم في التدريس، وكانت النتائج أن مدرسين الذين تعرضوا لمجموعة رد الفعل الإيجابي كانوا يرون أن التدريس ممتع وشيق وأن لديهم قدرة جيدة على التدريس وأنهم فعالون، وحسب تقدير المعلمين لأنفسهم بعد التجربة فإن المعلمين الذين تعرضوا لمجموعة رد الفعل الإيجابي أعطوا أنفسهم تقييما أفضل من المعلمين الذين تعرضوا لمجموعة رد الفعل السلبي، ما يعني أن تصرف الطلاب مع معلميهم وانطباعهم نحوهم يؤثر على أدائهم وعلى حبهم للتدريس.
رابط مصدر التجربة لمن يريد قراءة المزيد (دراسة مدفوعة والملخص مجاني).
التعليقات:
إرسال تعليق
هنا أنت الكاتب، قل ما تريد، كن مهذبا