انتهينا في الجزء السابق من سلسلة "قصة الكهرباء" عند اكتشاف الشحنة الكهربية. إذا لم تقرأ الجزء السابق، فأرجو منك قراءته أولا (من هنا) لفهم ما سيتم ذكره هنا.
قارورة ليدن |
بعد اكتشاف الشحنات الكهربية، توالت محاولات العلماء لإنشاء طرق أفضل لدراسة الشحنات، كإنشاء أول مولد شحنة ساكنة، والذي يقوم بالدوران والاحتكاك المستمر لإنشاء شحنة كهربية، ولكنه ليس موضوعنا، ثم إنشاء قارورة ليدن لتخزين تلك الشحنة في القارورة بطريقة ما، وهو أيضا ليس موضوعنا.
نريد أن نعلم كيف تم صنع أول تيار كهربي مستمر.
بداية، ما معنى التيار الكهربي؟ تعريفه البحت هو: فيض من الشحنات الكهربية التي تسير عبر موصل. ذكرنا في الجزء السابق عن الشحنات وأنها تنتقل بين المواد، فإذا استمرت الشحنات في التنقل عبر الموصل مثل نهر أو جدول فإنها تصنع ما يدعى التيار الكهربي.
صناعة هذا الجريان المستمر للشحنات سيكون ثوريا لأننا بهذه الطريقة نحصل على نوع جديد من الطاقة النظيفة.
لمرور التيار في موصل عدة تأثيرات:
1)التأثير الحراري: بمعنى أن الموصل تزيد حرارته بمرور التيار الكهربي. واعتمادا عل هذا التأثير يعمل المصباح التقليدي (مصباح أديسون) والفرن الكهربي وغيره.
2)التأثير المغناطيسي: وهو القدرة على إنتاج مجال مغناطيسي بمرور التيار، والمجال المغناطيسي هو المجال القادر على تحريك البوصلة، ويحدث عامة بسبب تحرك الشحنات (حتى المغناطيس نفسه ينتج مجالا مغناطيسيا عن طريق حركة الشحنات في المدارات الذرية.)، واعتمادا على هذا التأثير يعمل المحرك الكهربي وغيره.
3)التأثير الكيميائي: وفيه يحدث أكسدة واختزال لبعض المواد بمرور التيار فيها، فتتغير المادة لمادة أخرى بمرور التيار فيها، وفي دراسة هذا التأثير مجال كامل في الكيمياء يدعى الكيمياء الكهربية. يعد التأثير الكيميائي للتيار أساس عمل ما يدعى البطارية التي نريد التحدث عنها.
4) تأثيرات خاصة أخرى: تعتمد عليها بعض الأجهزة، كمصباح الفلورسينت مثلا، أو المقاحل، وذلك ليس موضوعنا.
إذا نحن نتحدث عن تقدم هائل إذا تمكنا من إنتاج التيار الكهربي، ولكن كيف لنا أن نحقق هذا الفيضان المستمر من الشحنات؟ إذا كانت الشحنات السالبة مثلا تتحرك من مكان إلى مكان، ألن يجعل المكان الذي تهاجر إليه سالبا؟ فيتنافر مع الشحنات السالبة القادمة؟ مما سيوقف عملية تحرك الشحنة؟ كيف سنحقق التيار الكهربي؟!
صورة توضح معنى التيار الكهربي. تتحرك الشحنات السالبة من اليسار لليمين. |
صنع أول تيار كهربي من العالم ألساندرو فولتا Alessandro Volta، بعد اكتشاف أن الفلزات المختلفة تتفاعل معا تفاعل أكسدة واختزال. سبب اكتشافه هو تجارب قام بها العالم جالفاني Galvani على قدم الضفضع، لا أود الحديث عنها، فإن أردت معرفتها، اقرأ هنا.
ما تفاعلات الأكسدة والاختزال؟ هي تفاعلات يفقد فيها أحد المواد إلكترونا (شحنة سالبة) وهذا يدعى أكسدة للمادة، وتكتسب الإلكترون مادة أخرى وهذا يدعى اختزالًا للمادة، ما يعني تحرك الشحنة السالبة، إنه تيار كهربي!
لكن ألن يؤدي ذلك إلى تراكم الشحنة السالبة عند أحد المواد؟
كلا. بالنظر لهذه الصورة مثلا، هما قضيب من النحاس وقضيب من الزنك، ستتحرك الإلكترونات من الزنك Zn إلى النحاس Cu.
لكن فقد الزنك للإلكترونات سيحوله لمادة أخرى تذوب في المحلول وهي كبريتات الزنك، بسبب ارتباط الزنك الموجب بأيون الكبريتات السالب. فنجد قضيب الزنك يصغر ويتلاشى تدريجيا.
أما النحاس وعند استلامه الإلكترونات فإنه يحول كبريتات النحاس في المحلول للنحاس الصلب، تاركا في المحلول أيون الكبريتات السالب. فنجد النحاس يزيد تدريجيا، ولأن المحلولين متصلين من الأعلى بما يسمى قنطرة ملحية، فإن أيون الكبريتات السالب في محلول النحاس يتحرك للزنك ليرتبط بأيون زنك موجب آخر، ويكوِّن كبريتات الزنك الذائبة في الماء. أي إن كل شحنة زائدة في أي من المحلولين ستنتقل إلى المحلول الآخر، مما يؤدي إلى عدم تراكم الشحنات على أحد المحاليل، واستمرار مرور التيار الكهربي.
ولكن لم تتحرك الإلكترونات أصلا؟ لأن الزنك -حسب متسلسلة النشاط الكيميائي- أنشط كيميائية من النحاس، لهذا هو أقوى منه في الارتباط بأيون الكبريتات، لهذا يكون كبريتات الزنك على حساب تحول كبريتات النحاس للنحاس الصلب، وذلك يلزمه انتقال الشحنة من الزنك إلى النحاس.
بهذا صنع ألساندرو فولتا أول بطارية، وأول تيار مستمر، وبدأنا عالم الكهرباء.
ثم تتوالى الاكتشافات ويأتي العالم مايكل فاراداي Michael Faraday ليكتشف أننا نستطيع توليد الكهرباء بطريقة أخرى، وهي تحريك سلك في مجال مغناطيسي، أو تحريك مغناطيس في ملف، مكتشفا الحث الكهرومغناطيسي، والذي تعتمد عليه فكرة عمل المولدات الكهربية.
(أعلم.. هذا المقال صعب، لكنني لم أستطع تبسيط الأمر أكثر من ذلك)
شكرا مشروع الاحياء .يا ريت تكملوا شكرا ❤
ردحذفدمت بخير، سأحاول الاستمرار متوكلا على الله.
حذف