العرب يرتكبون غلطا في تعريب المصطلحات العلمية قد يجعل التعريب مستحيلا!

 

المسار البصري
المسار البصري باللغة العربية

لا تعيش اللغة العربية اليوم أفضل حالاتها، فهي لم تعد اللغة المحورية للعلم كما كانت سابقا، وذاك شيء يحسرنا جميعا ويضايقنا، وعليه فقد ظهرت حركات تعريب العلوم -وبالذات الطب- لتحاول تغيير ذلك الواقع، وجعل اللغة العربية مناسبة كل التناسب مع الكتابة العلمية الرسمية، وقد بذلت الكثير من الجهود في هذا الاتجاه لا أريد أن أحصيها هنا.

ورغم أني أحب كل الحب أن نصل لذلك الهدف -تعريب العلوم- فإني أختلف في الطريقة التي يجب أن نعرب بها المصطلحات العلمية (والظريف أني كنت أتفق معهم سابقا كما سأحكي لكم في آخر المقال) . هذا المقال يعبر عن رأيي الذي ليس بالضرورة صحيحا، ولكني أرى أنه قد ينفع التعريب يوما، فإذا كان رأيك مخالفا سأحب أن أسمعه في التعليقات.

ما المصطلح؟

المصطلح كلمة تعبر عن معنى علمي، تستطيع أن تعده اسم عَلَم ولكنه لشيء معنوي لا شيء مادي. فمثلا بدلا من أن نقول الدولة التي تقع بين دائرتي 22 و32 شمالا وبين خطي 25 و35 شرقا نستطيع أن نقول مصر، وحينها نستطيع أن نختصر التواصل فيما بيننا في الكتب والمجلات بذكر المصطلح (مصر) دون ذكر التعريف (الدولة التي تقع بين ...). وبالمثل يمكن أن نذكر المصطلح العلمي (العصب البصري) بدلا من استخدام التعريف (هو عصب زوجي ينقل المعلومات المرئية من شبكية العين إلى الدماغ.) (لاحظ أننا استخدمنا مصطلحات حتى في تعريف العصب البصري، ككلمات "عصب" و"زوجي" و"شبكية".)

ما ميزة استخدام لغة ميتة في استحداث المصطلحات العلمية؟

اللغة الميتة هي اللغة التي لم يعد لها ناطقون أصليون اليوم، أما اللغة المنقرضة هي اللغة التي ليس لها ناطقون ولا نعرف كلماتها ولا قواعدها. في الأوساط الأوروبية تستحدث المصطلحات العلمية من اللغتين اللاتينية والإغريقية، وكلاهما لغة ميتة. يرجع ذلك لأسباب تاريخية ولم يقصده أحد لغرض معين، ولكن كان لذلك آثار جانبية حسنة غير مقصودة. استخدام لغة لم يعد الناس يتكلمون بها في الحياة اليومية أو الرسمية يعني أن معاني كلماتها لن يتغير مع الزمن، كما يعني أن تلك المصطلحات لن يحدث بها أي التباس وستكون محجوزة للمعنى العلمي فحسب وليس لأي معنى آخر. 

سأعطيكم مثالا: مصطلح Hypertension يتكون من مقطعين لاتينيين، Hyper تعني فوق أو أعلى، وTension تعني ضغط. المصطلح تعريفه هو الارتفاع المزمن للضغط الشرياني الشامل فوق حد معين. بدلا من استخدام هذا التعريف في الأوساط الطبية، يمكن أن نقول Hypertension وسيكون المعنى قد وصل، فصارت كلمة Hypertension هي اسم العَلَم لهذا التعريف. يعرب العرب هذه الكلمة إلى "ارتفاع ضغط الدم" وأنا أرى أن هذا خطأ فادح. المصطلح Hypertension يعني أكثر من مجرد ارتفاع ضغط الدم أو Increased blood pressure. كون اللغة العربية لغة حية يعني أن أحدهم قد يقول  "ارتفاع ضغط الدم" دون أن يقصد Hypertension، مما قد يسبب التباسا غير مقبول في الوسط العلمي، وربما يمكن التفرقة بقول "داء ارتفاع الضغط" لكن هذا لا يحدث. باختصار: لكون اللغة العربية لغة حية فإن عبارة "ارتفاع ضغط الدم" لا تصلح أن تكون اسم علم لمعنى (مصطلحا).

كما أن اللغة الميتة لا يتغير معنى كلماتها مع الزمن، فمثلا، كلمة Ultrasound تعني موجة الصوت التي ترددها أعلى من تردد الصوت المسموع. يعربها العرب إلى"موجة فوق صوتية". لكون اللغة العربية لغة حية فهذا قد يحدث التباسا لأن كلمة "فوق" قد تستخدمها الأجيال القادمة بمعنى آخر، بل إننا لسنا بحاجة للانتظار لرؤية الالتباس فقد حدث بالفعل، فبظهور مصطلح Hypersonic والذي يعني أسرع من الصوت (مثلا Hypersonic missile) عربها العرب إلى فوق-صوتية أيضا! (صواريخ فوق-صوتية)، وعليه فإنه لم يعد واضحا هل الكلمة "فوق-صوتي" تعني فوق في التردد أم السرعة (طبعا بخصوص الصواريخ فمن الواضح أننا نقصد السرعة لا التردد، ولكن قد يحدث التباس في عبارة أخرى). أيضا كون اللغة حية يعني أن أحدهم قد يقول (فوق الصوت) بمعنى وجداني أو عاطفي دون أن يعني أيا من المعنيين الآنفين، وهذا قد يسبب التباسا آخر.

وإني قد رأيت الكثير من المتعصبين لاستخدام اللغة العربية في استحداث المصطلحات حتى جعلهم ذلك التعصب يغيرون مصطلحات تعودنا عليها في الأوساط العربية مسببين المزيد من اللبس، فمثلا بعضهم عرب كلمة "تشفير" إلى "تعمية"، ورغم أن كلمة "تشفير" أوضح وأخص للمعنى المطلوب، لم يعجبهم ذلك وقرروا استخدام كلمة عربية قد تسبب التباسا وهي أصلا كلمة غير مألوفة لهذا المعنى!

ولكني لا أرى مشكلة في تعريب الكلمات عندما لا تتقاطع الكلمة الجديدة مع كلمات قديمة، مثل "Radio" التي عربت إلى "مذياع" فهي كلمة جديدة لن تسبب لبسا، أو عندما تكون شيئا داخلا في حياتنا اليومية وليس مصطلحا علميا مثل "Link" التي عربت إلى "رابط".  

حلول مقترحة

وأنا لست أطرح هذه المشكلة دون أن تكون في ذهني حلول لها، لتناقش معا في كيفية حلها:

  • الحل الأول أن نحورف أو ننقحر المصطلحات من اللغة اللاتينية كما هي وننقلها للعربية ونستخدمها. ذلك يعني أن نعرب كلمة Hypertension إلى "هيبر-تنشن" أو Ultrasound إلى "ألترا-صوت" وأن نستخدم هذه الكلمة في الأوساط العلمية العربية. هذا الحل من مميزاته أن العربي سيتمكن من قراءة المراجع من اللغات الأخرى بسهولة لأن جميع المصطلحات ستكون مألوفة له، لكن من عيوبها أن المقاطع المكونة للكلمة قد تكون غريبة في البداية وتحتاج وقتا قليلا لتكون مألوفة للمتعلم العربي، لكني أرى أن هذا العيب صغير ولهذا أفضل الحل الأول.
  • الحل الثاني هو استخدام الكلمات العربية ولكن بطريقة وقواعد مختلفة تجعلها مميزة عن باقي الكلمات وتمنع حدوث لبس، ربما باستخدام حرف من كل كلمة من تعريف المصطلح كما يفعل الإفرنج في الاختصارات مثلا. هذه الطريقة مثيرة للاهتمام بالنسبة لي لكنها تحتاج لمن يستكشفها ويجد قواعدها ويعممها.

تمهل قبل نشر آرائك

وفي نهاية المقال أود أن أقول أنني في الماضي كنت معارضا كل التعارض مع فكرة حورفة المصطلحات الأجنبية، ومتحمسا جدا لفكرة استخدام اللغة العربية في المصطلحات، ولكن النضج والخبرة يغيران الآراء، والإنسان كلما رأى المزيد نضجت آراؤه وعرف خطأه، وإني لما التحقت بكلية الطب أدركت مشكلة المصطلحات وهي مشكلة لم أكن لأدركها أبدا قبل عمري هذا، وكذلك تغيرت آرائي في أشياء كثيرة كنت أنشرها وأحدث الجميع عنها.

ولذلك فإني أنصح كل شخص كون آراءه وبدأ بنشرها ألا يتسرع، فآراؤك على الأرجح ستتغير مع العمر، وعندما تكون في المدرسة ستكون لك آراء ستكتشف خطأها عندما تذهب للكلية، التي ستصحح آراءها هي الأخرى عندما تدخل سوق العمل، ولذلك اقرأ من كل جانب بحياد واستمع جيدا فربما أنت متسرع أو عاطفي أو انحيازي عندما كونت رأيك.

هذا ولله أعلم،  وإذا كنت تخالفني الرأي سأحب أن أقرأ رأيك في التعليقات، اكتبه وسأقرؤه بإذن الله.

التعليقات:

إرسال تعليق

هنا أنت الكاتب، قل ما تريد، كن مهذبا

يُشَغَّلُ من Blogger

تصميم الورشة مع تعديل وتطوير مني